المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٢٦٥

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا
سورة الأنعام
قيل هي كلها مكية، وقال ابن عباس : نزلت بمكة ليلا جملة إلا ست آيات، وهي قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام ١٥١] وقوله : وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام : ٩١] وقوله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ [الأنعام : ٩٣] وقوله : وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الأنعام : ٩٣] وقوله : وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ [الأنعام : ١١٤] وقوله : والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ [الأنعام : ٢٠].
وقال الكلبي : الأنعام كلها مكية إلا آيتين نزلتا بالمدينة في فنحاص اليهودي، وهي قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى [الأنعام ٩١] مع ما يرتبط بهذه الآية، وذلك أن فنحاصا قال ما أنزل اللّه على بشر من شيء، وقال ابن عباس : نزلت سورة الأنعام وحولها سبعون ألف ملك لهم زجل يجارون بالتسبيح وقال كعب فاتحة التوراة فاتحة الأنعام الْحَمْدُ لِلَّهِ إلى يَعْدِلُونَ، وخاتمة التوراة خاتمة هود، وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [هود : ١٢٣] وقيل خاتمتها وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلى تَكْبِيراً [الإسراء : ١١١] وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : الأنعام من نجائب القرآن، وقال علي بن أبي طالب : من قرأ سورة الأنعام فقد انتهى في رضى ربه.
قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢)
هذا تصريح بأن اللّه تعالى هو الذي يستحق الحمد بأجمعه. لأن الألف واللام في الْحَمْدُ لاستغراق الجنس، فهو تعالى له الأوصاف السنية والعلم والقدرة والإحاطة والأنعام، فهو أهل للمحامد على ضروبها وله الحمد الذي يستغرق الشكر المختص بأنه على النعم، ولما ورد هذا الإخبار تبعه ذكر بعض أوصافه الموجبة للحمد، وهي الخلق «للسماوات والأرض» قوام الناس وأرزاقهم، وَالْأَرْضَ هاهنا للجنس فإفرادها في اللفظ بمنزلة جمعها، والبادي من هذا الترتيب أن السماء خلقت من قبل الأرض، وقد حكاه الطبري عن قتادة، وليس كذلك لأن الواو لا ترتب المعاني، والذي ينبني من مجموع آي القرآن أن اللّه تعالى خلق الأرض ولم يدحها ثم استوى إلى السماء فخلقها ثم دحا الأرض بعد ذلك، وجَعَلَ هاهنا بمعنى خلق لا


الصفحة التالية
Icon