المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٢٦٧
إلى حشره، ووصفه بمسمى عنده لأنه استأثر بعلم وقت القيامة، وقال ابن عباس : أَجَلًا، الدنيا، أَجَلٌ مُسَمًّى الآخرة، وقال مجاهد : أَجَلًا، الآخرة، وَأَجَلٌ مُسَمًّى، الدنيا بعكس الذي قبله، وقال ابن عباس أيضا : أَجَلًا، وفاة الإنسان بالنوم، وَأَجَلٌ مُسَمًّى وفاته بالموت وقال ابن زيد، الأجل الأول هو في وقت أخذ الميثاق على بني آدم حين استخرجهم من ظهر آدم، وبقي «أجل» واحد مسمى في هذه الحياة الدنيا، وحكى المهدوي عن فرقة أَجَلًا، ما عرف الناس من آجال الأهلة والسنين والكوائن، وَأَجَلٌ مُسَمًّى قيام الساعة، وحكي أيضا عن فرقة أَجَلًا ما عرفناه من أنه لا نبي بعد محمد صلى اللّه عليه وسلم، وَأَجَلٌ مُسَمًّى الآخرة.
قال القاضي أبو محمد : رضي اللّه عنه. وينبغي أن تتأمل لفظة قَضى في هذه الآية فإنها تحتمل معنيين، فإن جعلت بمعنى قدر وكتب ورجعت إلى سابق علمه وقدره فيقول إن ذلك ولا بد قبل خلقه آدم من طين، وتخرج ثم من معهودها في ترتيب زمني وقوع القصتين ويبقى لها ترتيب زمني الإخبار عنه، كأنه قال :
أخبركم أنه خلقكم من طين ثم أخبركم أنه قضى أجلا، وإن جعلت قَضى بمعنى أوجد وأظهر ويرجع ذلك إلى صفة فعل فيصح أن يكون خلق آدم من طين قبل إظهار هذا الأجل وإبدائه وتكون ثم على بابها في ترتيب زمني وقوع القضيتين، وتَمْتَرُونَ معناه تشكون، والمرية الشك، وقوله : ثُمَّ أَنْتُمْ على نحو قوله :
ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ في التوبيخ على سوء الفعل بعد مهلة من وضوح الحجج.
قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٣ الى ٥]
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥)
قاعدة الكلام في هذه الآية أن حلول اللّه تعالى في الأماكن مستحيل وكذلك مماسته للأجرام أو محاداته لها أو تحيز لا في جهة لامتناع جواز التقرب عليه تبارك وتعالى، فإذا تقرر هذا فبين أن قوله تعالى :
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ ليس على حد قولنا زيد في الدار بل هو على وجه من التأويل آخر، قالت فرقة ذلك على تقدير صفة محذوفة من اللفظ ثابتة في المعنى، كأنه قال وهو اللّه المعبود في السماوات وفي الأرض، وعبر بعضهم بأن قدر هو اللّه المدبر للأمر في «السماوات وفي الأرض»، وقال الزجاج فِي متعلقة بما تضمنه اسم اللّه تعالى من المعاني كما يقال : أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب.
قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازا لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى، وإيضاحه أنه أراد أن يدل على خلقه وإيثار قدرته وإحاطته واستيلائه ونحو هذه الصفات فجمع هذه كلها في قوله :
وَهُوَ اللَّهُ أي الذي له هذه كلها «في السماوات وفي الأرض» كأنه وهو الخالق الرازق المحيي المحيط «في السماوات وفي الأرض» كما تقول زيد السلطان في الشام والعراق، فلو قصدت ذات زيد لقلت