المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٢٦٩
يريد أنها تحرم ذلك القرن، وروي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعبد اللّه بن بشير : تعيش قرنا فعاش مائة سنة، وقيل : القرن ثمانون سنة، وقيل سبعون وقيل ستون، وتمسك هؤلاء بالمعترك وحكى النقاش أربعين وذكر الزهراوي في ذلك أنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وحكى النقاش أيضا ثلاثين، وحكى عشرين، وحكى ثمانية عشر وهذا كله ضعيف، وهذه طبقات وليست بقرون إنما القرن أن يكون وفاة الأشياخ ثم ولادة الأطفال، ويظهر ذلك من قوله تعالى : ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ وإلى مراعاة الطبقات وانقراض الناس بها أشار ابن الماجشون في الواضحة في تجويز شهادة السماع في تقادم خمسة عشر عاما فصاعدا، وقيل القرن الزمن نفسه، وهو على حذف مضاف تقديره من أهل قرن، والضمير في مَكَّنَّاهُمْ عائد على القرن، والمخاطبة في لَكُمْ هي للمؤمنين ولجميع المعاصرين لهم من سائر الناس، فكأنه قال : ما لم نمكن يا أهل العصر لكم، فهذا أبين ما فيه، ويحتمل أن يقدر في الآية معنى القول لهؤلاء الكفرة، كأنه قال يا محمد قل لهم : أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ، ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وإذا أخبرت أنك قلت لغائب أو قيل له أو أمرت أن يقال فلك في فصيح كلام العرب أن تحكي الألفاظ المقولة بعينها فتجيء بلفظ المخاطبة، ولك أن تأتي بالمعنى في الألفاظ بذكر غائب دون مخاطبة السَّماءَ المطر ومنه قول الشاعر :
إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
ومِدْراراً بناء تكثير كمذكار ومئناث، ومعناه يدر عليهم بحسب المنفعة، لأن الآية إنما سياقها تعديد النعم وإلا فظاهرها يحتمل النعمة ويحتمل الإهلاك وتحتمل الآية أن تراد السماء المعروفة على تقدير وأرسلنا مطر السماء لأن مدرارا لا يوصف به إلا المطر، وقوله تعالى : فَأَهْلَكْناهُمْ معناه فعصوا وكفروا فَأَهْلَكْناهُمْ، وَأَنْشَأْنا اخترعنا وخلقنا، وجمع آخَرِينَ حملا على معنى القرن.
قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٧ الى ٩]
وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩)
لما أخبر عنهم عز وجل بأنهم كذبوا بكل ما جاءهم من آية تبع ذلك إخبار فيه مبالغة مضمنه أنه لو جاءهم أشنع مما جاء لكذبوا أيضا، والمعنى لَوْ نَزَّلْنا بمرأى منهم عليك كِتاباً أي كلاما مكتوبا فِي قِرْطاسٍ أي في صحيفة، ويقال «قرطاس» بضم القاف فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ يريد أنهم بالغوا في ميزه وتقليبه ليرتفع كل ارتياب لعاندوا فيه وتابعوا كفرهم وقالوا هذا سحر مبين، ويشبه أن سبب هذه الآية اقتراح عبد اللّه بن أبي أمية وتعنته إذ قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم، لا أؤمن لك حتى تصعد إلى السماء ثم تنزل بكتاب فيه من رب العزة إلى عبد اللّه بن أبي أمية، يأمرني بتصديقك، وما أراني مع هذا كنت أصدقك، ثم أسلم بعد ذلك عبد اللّه وقتل شهيدا في الطائف، وقوله تعالى : وَقالُوا لَوْ لا