المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٢٧٧
عليه السلام ورسالته، وذلك على ما في قوله : وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ [الأنعام : ١٩] فكأنه قال وأهل الكتاب يعرفون ذلك من إنذاري والوحي إليّ، وتأول هذا التأويل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، يدل على ذلك قوله لعبد اللّه بن سلام إن اللّه أنزل على نبيه بمكة أنكم تعرفونه كما تعرفون أبناءكم فكيف هذه المعرفة فقال عبد اللّه بن سلام نعم أعرفه الصفة التي وصفه اللّه في التوراة فلا أشك فيه، وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه.
قال القاضي أبو محمد : وتأول ابن سلام رضي اللّه عنه المعرفة بالابن تحقق صحة نسبه، وغرض الآية إنما هو الوقوف على صورته فلا يخطىء الأب فيها، وقالت فرقة : الضمير من يَعْرِفُونَهُ عائد على القرآن المذكور قبل.
قال القاضي أبو محمد : ويصح أن تعيد الضمير على هذه كلها دون اختصاص، كأنه وصف أشياء كثيرة، ثم قال : أهل الكتاب يَعْرِفُونَهُ أي ما قلنا وما قصصنا وقوله تعالى : الَّذِينَ خَسِرُوا الآية، يصح أن يكون الَّذِينَ نعتا تابعا ل الَّذِينَ قبله، والفاء من قوله فَهُمْ عاطفة جملة على جملة، وهذا يحسن على تأويل من رأى في الآية قبلها أن أهل الكتاب متوعدون مذمومون لا مستشهد بهم، ويصح أن يكون الَّذِينَ رفعا بالابتداء على استئناف الكلام، وخبره فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ والفاء على هذا جواب، وخَسِرُوا معناه غبنوها، وقد تقدم، وروي أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار، فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار فهاهنا هي الخسارة بينة والربح الآخرين، وقوله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ الآية مَنْ استفهام مضمنه التوقيف والتقرير، أي لا أحد أظلم ممن افترى، وافْتَرى معناه اختلق، والمكذب بالآيات مفتري كذب، ولكنهما منحيان من الكفر، فلذلك نصا مفسرين، و«الآيات» العلامات والمعجزات ونحو ذلك، ثم أوجب إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ والفلاح بلوغ الأمل والإرادة والنجاح، ومنه قول عبيد :[الرجز]
أفلح بما شئت فقد تبلغ بالض ضعف وقد يخدع الأريب
قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)
قالت فرقة : لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام : ٢١] كلام تام معناه لا يفلحون جملة، ثم استأنف فقال : واذكر يوم نحشرهم، وقال الطبري المعنى لا يفلح الظالمون اليوم في الدنيا وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ عطفا على الظرف المقدر والكلام متصل، وقرأت طائفة «نحشرهم» و«نقول» بالنون، وقرأ حميد ويعقوب فيهما بالياء، وقرأ عاصم هنا وفي يونس قبل الثلاثين «نحشرهم ونقول» بالنون، وقرأ في باقي القرآن بالياء، وقرأ أبو هريرة «نحشرهم» بكسر الشين فيجيء الفعل على هذا حشر يحشر ويحشر، وأضاف الشركاء إليهم لأنه


الصفحة التالية
Icon