المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٢٨٠
والواو في قوله وَجَعَلْنا واو الحال والباب أن يصرح معها بقد، وقد تجيء أحيانا مقدرة، وإيضاح ذلك أنه تعالى قال ومن هؤلاء الكفرة من يستمعك وهو من الغباوة في حد قلبه في كنان وأذنه صماء وهو يرى الآيات فلا يؤمن بها لكنه مع بلوغه الغاية من هذه القصور إذا جاء للمجادلة قابل بدعوى مجردة. والمجادلة المقابلة في الاحتجاج مأخوذ من الجدل، وهذا في قولهم إشارة إلى القرآن، والأساطير جمع أسطار كأقوال وأقاويل ونحوه، وأسطار جمع سطر وسطر، وقيل الأساطير جمع أسطارة وهي النزهات، وقيل جمع أسطورة كأعجوبة وأضحوكة، وقيل هو اسم جمع لا واحد من لفظه كعبابيد وشماميط والمعنى أخبار الأولين وقصصهم وأحاديثهم التي تسطر وتحكى ولا تحقق كالتواريخ وإنما شبهها الكفار بأحاديث النضر بن الحارث وأبي عبد اللّه بن أبي أمية عن رستم والسندباد، ومجادلة الكفار كانت مرادّتهم نور اللّه بأفواههم المبطلة، وقد ذكر الطبري عن ابن عباس أنه مثل من ذلك قولهم : إنكم أيها المتبعون محمدا تأكلون ما قتلتم بذبحكم ولا تأكلون ما قتل اللّه، ونحو هذا من التخليط الذي لا تتركب منه حجة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا جدال في حكم، والذي في الآية إنما هو جدال في مدافعة القرآن، فلا تتفسر الآية عندي بأمر الذبح.
قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧)
الضمير في قوله : وَهُمْ عائد على المذكورين قبل، والضمير في عَنْهُ قال قتادة ومجاهد يعود على القرآن المتقدم ذكره في قوله أن يفهموه وقال ابن عباس وابن الحنفية والضحاك هو عائد على محمد عليه السلام والمعنى أنهم ينهون غيرهم ويبعدون هم بأنفسهم و«النأي» البعد، وَإِنْ يُهْلِكُونَ معناه ما يهلكون إلا أنفسهم بالكفر الذي يدخلهم جهنم، وقال ابن عباس أيضا والقاسم وحبيب بن أبي ثابت وعطاء بن دينار المراد بقوله وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ أبو طالب ومن كان معه على حماية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى الدوام في الكفر، والمعنى وهم ينهون عنه من يريد إذايته وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ بإيمانهم واتباعهم فهم يفعلون الشيء وخلافه، ويقلق على هذا القول رد قوله وَهُمْ على جماعة الكفار المتقدم ذكرها، لأن جميعهم لم يكن ينهى عن إذاية النبي صلى اللّه عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد : ويتخرج ذلك ويحسن على أن تقدر القصد ذكر ما ينعى على فريق فريق من الجماعة التي هي كلها مجمعة على الكفر، فخرجت العبارة عن فريق من الجماعة بلفظ يعم الجماعة، لأن التوبيخ على هذه الصورة أغلظ عليهم، كما تقول إذا شنعت على جماعة فيها زناة وسرقة وشربة خمر هؤلاء يزنون ويسرقون ويشربون الخمر وحقيقة كلامك أن بعضهم يفعل هذا وبعضهم يفعل هذا، فكأنه قال : من هؤلاء الكفرة من يستمع وهم ينهون عن إذايته ولا يؤمنون به، أي : منهم من يفعل ذلك، وَما يَشْعُرُونَ معناه : ما يعلمون علم حسّ، وهو مأخوذ من الشعار الذي يلي بدن الإنسان، والشعار مأخوذ من الشعر،


الصفحة التالية
Icon