المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٢٨٩
المعجزة، وهذه لفظة تستعملها الصوفية إذا بلغت الموعظة من أحد مبلغا شافيا قالوا سمع، ثم قال تعالى : وَالْمَوْتى يريد الكفار، فعبر، عنهم بضد ما عبر عن المؤمنين وبالصفة التي تشبه حالهم في العمى عن نور اللّه تعالى والصمم عن وعي كلماته، قاله مجاهد وقتادة والحسن، ويَبْعَثُهُمُ اللَّهُ يحتمل معنيين قال الحسن معناه «يبعثهم اللّه» بأن يؤمنوا حين يوقفهم.
قال القاضي أبو محمد : فتجيء الاستعارة في هذا التأويل، في الوجهين في تسميتهم موتى وفي تسمية إيمانهم وهدايتهم بعثا، والواو على هذا مشركة في العامل عطفت الْمَوْتى على الَّذِينَ، ويَبْعَثُهُمُ اللَّهُ في موضع الحال، وكأن معنى الآية إنما يستجيب الذين يرشدون حين يسمعون فيؤمنون والكفار حين يرشدهم اللّه بمشيئته، فلا تتأسف أنت ولا تستعجل ما لم يقدر، وقرأ الحسن «ثم إليه يرجعون» فتناسبت الآية، وقال مجاهد وقتادة : وَالْمَوْتى يريد الكفار، أي هم بمثابة الموتى حين لا يرون هدى ولا يسمعون فيعون، ويَبْعَثُهُمُ اللَّهُ أي : يحشرهم يوم القيامة ثُمَّ إِلَيْهِ أي إلى سطوته وعقابه يُرْجَعُونَ، وقرأت هذه الطائفة يرجعون بياء والواو على هذا عاطفة جملة كلام على جملة، وَالْمَوْتى مبتدأ ويَبْعَثُهُمُ اللَّهُ خبره، فكأن معنى الآية إنما يستجيب الذين يسمعون فيعون والكفار سيبعثهم اللّه ويردهم إلى عقابه، فالآية على هذا متضمنة الوعيد للكفار، والعائد على الَّذِينَ هو الضمير في يَسْمَعُونَ، والضمير في قالُوا عائد على الكفار، ولَوْ لا تحضيض بمعنى هلا، قال الشاعر [جرير] :[الطويل ]
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم بني ضوطرى لو لا الكميّ المقنّعا
ومعنى الآية هلا أنزل على محمد بيان واضح لا يقع معه توقف من أحد كملك يشهد له أو أكثر أو غير ذلك من تشططهم المحفوظ في هذا، فأمر عليه السلام بالرد عليهم بأن اللّه عز وجل له القدرة على إنزال تلك الآية، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أنها لو نزلت ولم يؤمنوا لعوجلوا بالعذاب، ويحتمل وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن اللّه تعالى إنما جعل المصلحة في آيات معرضة للنظر والتأمل ليهتدي قوم ويضل آخرون، وقوله تعالى : وَما مِنْ دَابَّةٍ الآية، المعنى في هذه الآية التنبيه على آيات اللّه الموجودة في أنواع مخلوقاته، أي قل لهم إن اللّه قادر على أن ينزل آية إلا أنكم لا تعلمون وجه الحكمة في أن لا ينزل آية مجهزة وإنما يحيل على الآيات المنصوبة لمن فكر واعتبر كالدواب والطير التي قد حصرت جميع الحيوان، وهي أمم أي جماعات مماثلة للناس في الخلق والرزق والحياة والموت والحشر، ويحتمل أن يريد بالمماثلة أنها في كونها أمما لا غير كما تريد بقولك مررت برجل مثلك أي في رجل، ويصح في غير ذلك من الأوصاف إلا أن الفائدة في هذه الآية، إنما تقع بأن تكون المماثلة في أوصاف غير كونها أمما، قال الطبري وغيره :
والمماثلة في أنها يهتبل بأعمالها وتحاسب ويقتص لبعضها من بعض على ما روي في الأحاديث، أي : فإذا كان يفعل هذا بالبهائم فأنتم أحرى إذ أنتم مكلفون عقلاء وروى أبو ذر أنه انتطحت عنزان بحضرة النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال : أتعلمون فيم انتطحتا؟ قلنا لا : قال : فإن اللّه يعلم وسيقضي بينهما، وقد قال مكي في المماثلة في أنها تعرف اللّه تعالى وتعبده، وهذا قول خلف ودَابَّةٍ وزنها فاعلة وهي صفة وضعت موضع الاسم كما قالوا الأعرج والأبرق، وأزيل منه معنى الصفة وليست بالصفة الغالبة في قولنا العباس