المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٢٩١
قرأها بألف ساكنة وحذف الهمزة، وهذا تخفيف على غير قياس، والكاف في أرأيتك زيدا و«أ رأيتكم» ليست باسم وإنما هي مجردة للخطاب كما هي في ذلك، وأبصرك زيدا ونحوه، ويدل على ذلك أن رأيت بمعنى العلم، إنما تدخل على الابتداء والخبر، فالأول من مفعوليها هو الثاني بعينه، والكاف في أرأيتك زيدا ليست المفعول الثاني كقوله تعالى : أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ [الإسراء : ٦٢] فإذا لم تكن اسما صح أنها مجردة للخطاب وإذا تجردت للخطاب صح أن التاء ليست للخطاب كما هي في أنت لأن علامتي خطاب لا تجتمعان على كلمة كما لا تجتمع علامتا تأنيث ولا علامتا استفهام فلما تجردت التاء من الخطاب وبقيت علامة الفاعل فقط استغني عن إظهار تغيير الجمع فيها والتأنيث لظهور ذلك في الكاف وبقيت التاء على حد واحد في الإفراد والتثنية والجمع والتأنيث وروي عن بعض بني كلاب أنه قال : أتعلمك كان أحد أشعر من ذي الرمة، فهذه الكاف صلة في الخطاب وأَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ معناه أتاكم خوفه وأماراته وأوائله مثل الجدب والبأساء والأمراض ونحوها التي يخاف منها الهلاك، ويدعو إلى هذا التأويل أنا لو قدرنا إتيان العذاب وحلوله لم يترتب أن يقول بعد ذلك فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ لأن ما قد صح حلوله ومضى على البشر لا يصح كشفه، ويحتمل أن يراد ب السَّاعَةُ في هذه الآية موت الإنسان، وقوله تعالى : بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ الآية، المعنى بل لا ملجأ لكم إلا اللّه، وأصنامكم مطرحة منسية، وما بمعنى الذي تدعون إليه من أجله، ويصح أن تكون ما ظرفية، ويصح أن تكون مصدرية على حذف في الكلام، قال الزجّاج هو مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف : ٨٢] والضمير في إِلَيْهِ يحتمل أن يعود إلى اللّه تعالى بتقدير فيكشف ما تدعون إليه، وإِنْ شاءَ استثناء لأن المحنة إذا أظلت عليهم فدعوا إليه في كشفها وصرفها فهو لا إله إلا هو كاشف إن شاء و
مصيب إن شاء لا يجب عليه شيء، وتقدم معنى تَنْسَوْنَ وإِيَّاهُ اسم مضمر أجري مجرى المظهرات في أنه يضاف أبدا، وقيل هو مبهم وليس بالقوي لأن الأسماء المبهمة مضمنة الإشارة إلى حاضر نحو ذاك وتلك وهؤلاء، و«ايا» ليس فيه معنى الإشارة.
قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٤٢ الى ٤٥]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٥)
في الكلام حذف يدل عليه الظاهر تقديره فكذبوا فأخذناهم، ومعناه لازمناهم وتابعناهم الشيء بعد الشيء، «البأساء» المصائب في الأموال، وَالضَّرَّاءِ في الأبدان، هذا قول الأكثر، وقيل قد يوضع كل واحد بدل الآخر، ويؤدب اللّه تعالى عباده بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ، ومن هنالك أدب العباد نفوسهم بالبأساء في تفريق المال، والضراء في الحمل على البدن في جوع وعري، والترجي في «لعل» في هذا الموضع إنما هو على معتقد البشر أي لو رأى أحد ذلك لرجا تضرعهم بسببه، والتضرع التذلل والاستكانة، وفي المثل


الصفحة التالية
Icon