المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٢٩٩
العذاب لأن اقتراحهم بالآيات لم يكن باستعجال، وقوله : إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي القضاء والإنفاذ يَقُصُّ الْحَقَّ أي يخبر به، والمعنى يقص القصص الحق، وهذه قراءة ابن كثير وعاصم ونافع وابن عباس، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر «يقضي الحق» أي ينفذه، وترجع هذه القراءة بقوله الْفاصِلِينَ لأن الفصل مناسب للقضاء، وقد جاء أيضا الفصل والتفصيل مع القصص، وفي مصحف عبد اللّه بن مسعود «و هو أسرع الفاصلين»، قال أبو عمرو الداني : وقرأ عبد اللّه وأبيّ ويحيى ابن وثاب وإبراهيم النخعي وطلحة والأعمش «يقضي بالحق» بزيادة باء الجر، وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير «يقضي الحق وهو خير الفاصلين»، وقوله تعالى : قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي الآية، المعنى لو كان عندي الآيات المقترحة أو العذاب على التأويل الآخر لقضي الأمر أي لوقع الانفصال، وتم التنازع لظهور الآية المقترحة أو لنزل العذاب بحسب التأويلين، وحكى الزهراوي : أن المعنى لقامت القيامة، ورواه النقاش عن عكرمة، وقال بعض الناس : معنى لَقُضِيَ الْأَمْرُ أي لذبح الموت.
قال القاضي أبو محمد رضي اللّه عنه : وهذا قول ضعيف جدا لأن قائله سمع هذا المعنى في قوله تعالى : وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ [مريم : ٣٩] وذبح الموت هنا لائق فنقله إلى هذا الموضع دون شبه، وأسند الطبري هذا القول إلى ابن جريج غير مقيد بهذه السورة، والظن بابن جريج أنه إنما فسر الذي في يوم الحسرة وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ يتضمن الوعيد والتهديد.
قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٥٩ الى ٦٠]
وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠)
مَفاتِحُ جمع مفتح وهذه استعارة عبارة عن التوصل إلى الغيوب كما يتوصل في الشاهد بالمفتاح إلى المغيب عن الإنسان، ولو كان جمع مفتاح لقال مفاتيح، ويظهر أيضا أن مَفاتِحُ جمع مفتح بفتح الميم أي مواضع تفتح عن المغيبات، ويؤيد هذا قول السدي وغيره مَفاتِحُ الْغَيْبِ خزائن الغيب، فأما مفتح بالكسر فهو بمعنى مفتاح، وقال الزهراوي : ومفتح أفصح، وقال ابن عباس وغيره، الإشارة ب مَفاتِحُ الْغَيْبِ هي إلى الخمسة التي في آخر لقمان، إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان : ٣٤] الآية، لأنها تعم جميع الأشياء التي لم توجد بعد، ثم قوي البيان بقوله وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تنبيها على أعظم المخلوقات المجاورة للبشر وقوله مِنْ وَرَقَةٍ على حقيقته في ورق النباتات، ومِنْ زائدة وإِلَّا يَعْلَمُها يريد على الإطلاق وقبل السقوط ومعه وبعده، وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ يريد في أشد حال التغيب، وهذا كله وإن كان داخلا في قوله وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ عند من رآها في الخمس وغيرها ففيه البيان