المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٠٢
أسود ويوم مظلم ويوم ذو كواكب ونحو هذا يريدون به الشدة، قال قتادة : المعنى من كرب البر والبحر، وقاله الزجّاج وتَدْعُونَهُ في موضع الحال وتَضَرُّعاً نصب على المصدر والعامل فيه تَدْعُونَهُ، والتضرع صفة بادية على الإنسان، وَخُفْيَةً معناه الاختفاء والسر، فكأن نسق القول : تدعونه جهرا وسرا هذه العبارة بمعان زائدة، وقرأ الجميع غير عاصم :«و خفية» بضم الخاء، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «و خفية» بكسر الخاء، وقرأ الأعمش :«و خيفة» من الخوف وقرأ الحجازيون وأهل الشام :«أنجيتنا»، وقرأ الكوفيون «أنجانا» على ذكر الغائب، وأمال حمزة والكسائي الجيم، ومِنَ الشَّاكِرِينَ أي على الحقيقة، والشكر على الحقيقة يتضمن الإيمان، وحكى الطبري في قوله ظُلُماتِ أنه ضلال الطرق في الظلمات ونحوه المهدوي أنه ظلام الليل والغيم والبحر.
قال القاضي أبو محمد : وهذا التخصيص كله لا وجه له وإنما هو لفظ عام لأنواع الشدائد في المعنى، وخص لفظ «الظلمات» بالذكر لما تقرر في النفوس من هول الظلمة، وقوله تعالى : قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ الآية : سبق في المجادلة إلى الجواب، إذ لا محيد عنه، وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ لفظ عام أيضا ليتضح العموم الذي في الظلمات، ويصح أن يتأول من قوله وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ تخصيص الظلمات قبل، ونص عليها لهولها، وعطف في هذا الموضع ب ثُمَّ للمهلة التي تبين قبح فعلهم، أي ثم بعد معرفتكم بهذا كله وتحققكم به أنتم تشركون.
قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٥ الى ٦٧]
قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧)
هذا إخبار يتضمن الوعيد، والأظهر من نسق الآيات أن هذا الخطاب للكفار الذين تقدم ذكرهم وهو مذهب الطبري، وقال أبيّ بن كعب وأبو العالية وجماعة معهما : هي للمؤمنين وهم المراد، قال أبي بن كعب : هي أربع خلال وكلهن عذاب وكلهن واقع قبل يوم القيامة فمضت اثنتان بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، ثم لبسوا شيعا وأذيق بعضهم بأس بعض، واثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم، وقال الحسن بن أبي الحسن : بعضها للكفار وبعضها للمؤمنين بعث العذاب من فوق وتحت للكفار وسائرها للمؤمنين، وهذا الاختلاف إنما هو بحسب ما يظهر من أن الآية تتناول معانيها المشركين والمؤمنين، وروي من حديث جابر وخالد الخزاعي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما نزلت أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ قال أعوذ بوجهك فلما نزلت أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال : أعوذ بوجهك فلما نزلت أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال هذه أهون أو هذه أيسر، فاحتج بهذا من قال إنها نزلت في المؤمنين، وقال الطبري : وغير ممتنع أن يكون النبي صلى اللّه عليه وسلم تعوذ لأمته من هذه الأشياء التي توعد بها الكفار، وهون الثالثة لأنها بالمعنى هي التي دعا بها فمنع حسب حديث