المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣١٥
في «هدان» التي هي من ذوات الياء أجوز وأحسن، وحكي أن الكفار قالوا لإبراهيم عليه السلام خف أن تصيبك آلهتنا ببرص أو داء لإذايتك لها وتنقصك، فقال لهم لست أخاف الذي تشركون به، لأنه لا قدرة له ولا غناء عنده وما في هذا الموضع بمعنى الذي، والضمير في بِهِ يحتمل أن يعود على اللّه عز وجل فيكون على هذا في قوله تُشْرِكُونَ ضمير عائد على ما تقدير الكلام ولا أخاف الأصنام التي تشركونها باللّه في الربوبية، ويحتمل أن يعود الضمير على ما فلا يحتاج إلى غيره، كأن التقدير ما تشركون بسببه، وقوله تعالى : إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً استثناء ليس من الأول وشَيْئاً منصوب ب يَشاءَ، ولما كانت قوة الكلام أنه لا يخاف ضرا استثنى مشيئة ربه تعالى في أن يريده بضر، وعِلْماً نصب على التمييز وهو مصدر بمعنى الفاعل، كما تقول العرب : تصبب زيد عرقا، المعنى تصبب عرق زيد فكذلك المعنى هنا وسع علم ربي كل شيء أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ توقيف وتنبيه وإظهار لموضع التقصير منهم.
قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٨١ الى ٨٣]
وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)
هذه الآية إلى تَعْلَمُونَ هي كلها من قول إبراهيم عليه السلام لقومه، وهي حجته القاطعة لهم، المعنى : وكيف أخاف الأصنام التي لا خطب لها وهي حجارة وخشب إذا أنا نبذتها ولم أعظمها، ولا تخافون أنتم اللّه عز وجل وقد أشركتم به في الربوبية أشياء لم ينزل بها عليكم حجة، و«السلطان» :
الحجة، ثم استفهم على جهة التقرير فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ أي من لم يشرك بالقادر العالم أحق أن يأمن وقوله تعالى : الَّذِينَ آمَنُوا الآية، الَّذِينَ رفع بالابتداء، ويَلْبِسُوا معناه يخلطوا، و«الظلم» في هذه الآية الشرك تظاهرت بذلك الأحاديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة أنه لما نزلت هذه الآية أشفق أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقالوا : أيّنا لم يظلم نفسه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنما ذلك كما قال لقمان : إن الشرك لظلم عظيم وروي أن عمر بن الخطاب قرأ في المصحف فلما أتى عليها عظمت عليه، فلبس رداءه ومر إلى أبي بن كعب، فقال : يا أبا المنذر وسأله عنها، فقال له إنه الشرك يا أمير المؤمنين فسري عن عمر، وجرى لزيد بن صوحان مع سلمان نحو مما جرى لعمر مع أبي بن كعب رضي اللّه عنهم، وقرأ مجاهد، «و لم يلبسوا إيمانهم بشرك» وقرأ عكرمة «يلبسوا» بضم الياء، والْأَمْنُ رفع بالابتداء وخبره في المجرور والجملة خبر أُولئِكَ، وَهُمْ مُهْتَدُونَ أي راشدون، وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : المراد بهذه الآية إبراهيم خاصة، وقال عكرمة : نزلت في مهاجري أصحاب محمد عليه السلام خاصة، وقالت فرقة : هي من قول إبراهيم لقومه فهي من الحجة التي أوتيها، وقال ابن جريج هي من قول قوم إبراهيم ويجيء هذا من الحجة أيضا أن أقروا بالحق وهم قد ظلموا في


الصفحة التالية
Icon