المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٢٢
ولا يقاس عليه، وبَيْنَ يَدَيْهِ هي حال التوراة والإنجيل لأن ما تقدم فهو بين يدي ما تأخر، وقالت فرقة الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ القيامة.
قال القاضي أبو محمد رضي اللّه عنه : وهذا غير صحيح لأن القرآن هو بين يدي القيامة، وقرأ الجمهور «و لتنذر أم القرى» أي أنت يا محمد، وقرأ أبو بكر عن عاصم «و لينذر» أي القرآن بمواعظه وأوامره، واللام في لِتُنْذِرَ متعلقة بفعل متأخر تقديره ولتنذر أم القرى أو من حولها أنزلناه، وأُمَّ الْقُرى مكة سميت بذلك لوجوه أربعة، منها أنها منشأ الدين والشرع ومنها ما روي أن الأرض منها دحية ومنها أنها وسط الأرض وكالنقطة للقرى، ومنها ما لحق عن الشرع من أنها قبلة كل قرية فهي لهذا كله أم وسائر القرى بنات، وتقدير الآية لتنذر أهل أم القرى، وَمَنْ حَوْلَها يريد أهل سائر الأرض، وحَوْلَها ظرف العامل فيه فعل مضمر تقديره ومن استقر حولها، ثم ابتدأ تبارك وتعالى بمدح وصفهم وأخبر عنهم أنهم يؤمنون بالآخرة والبعث والنشور، ويُؤْمِنُونَ بالقرآن ويصدقون بحقيقته، ثم قوى عز وجل مدحهم بأنهم «يحافظون على صلاتهم» التي هي قاعدة العبادات وأم الطاعات، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو بكر عن عاصم «صلواتهم» بالجمع، ومن قرأ بالإفراد فإنه مفرد يدل على الجميع وإذا انضافت الصلاة إلى ضمير لم تكتب إلا بالألف ولا تكتب في المصحف بواو إلا إذا لم تنضف إلى ضمير.
قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٣]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣)
هذه ألفاظ عامة فكل من واقع شيئا مما يدخل تحت هذه الألفاظ فهو داخل في الظلم الذي قد عظمه اللّه تعالى بقوله : وَمَنْ أَظْلَمُ أي لا أحد أظلم وقال قتادة وغيره : المراد بهذه الآيات مسيلمة والأسود العنسي، وذكروا رؤية النبي عليه السلام للسوارين وقال السدي : المراد بها عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح الغامدي وكان يكتب للنبي صلى اللّه عليه وسلم الوحي وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة فلما نزلت وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون : ١٤] فقال عبد اللّه بن سعد من تلقاء نفسه فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [المؤمنون : ٢٣] فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : اكتبها فهكذا أنزلت، فتوهم عبد اللّه ولحق بمكة مرتدا وقال أنا أنزل مثل ما أنزل اللّه، وروي عنه أيضا أن النبي عليه السلام ربما أملى عليه «و اللّه غفور رحيم» فبدلها هو «و اللّه سميع عليم» فقال النبي عليه السلام : ذلك سواء ونحو هذا، وقال عكرمة : أولها في مسيلمة والآخر في عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، وذكر الزهراوي والمهدوي أن الآية نزلت في النضر بن الحارث لأنه عارض القرآن بقوله والزارعات زرعا والخابزات خبزا إلى غير ذلك من السخافات.


الصفحة التالية
Icon