المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٧٧
تدخل طائفة منهم النار وذلك شقاء لا محالة؟ فقالت طائفة إنه توزن أعمالهم دون التوحيد فتخف الحسنات فيدخلون النار ثم عند إخراجهم يوزن التوحيد فتثقل الحسنات فيدخلون الجنة، وأيضا فمعرفة العاصي أنه غير مخلد فلاح وإن تقدمه شقاء على جهة التأديب.
وقوله تعالى : وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ الآية، المعنى من خفت كفة حسناته فشالت، وخَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أي بالهلاك والخلود في النار وتلك غاية الخسارة، وقوله : بِما كانُوا أي جزاء بذلك كما تقول أكرمتك بما أكرمتني، و«ما» في هذا الموضع مصدرية، و«الآيات» هنا البراهين والأوامر والنواهي ويَظْلِمُونَ أي يضعونها في غير مواضعها بالكفر والتكذيب.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠ الى ١١]
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)
الخطاب لجميع الناس، والمراد أن النوع بجملته ممكن في الأرض، و«المعايش» جمع معيشة وهي لفظة تعم المأكول الذي يعاش به والتحرف الذي يؤدي إليه، وقرأ الجمهور «معايش» بكسر الياء دون همز، وقرأ الأعرج وغيره «معائش» بالهمز كمدائن وسفائن، ورواه خارجة عن نافع، وروي عن ورش «معايش» بإسكان الياء، فمن قرأ «معايش» بتصحيح الياء فهو الأصوب لأنها جمع معيشة وزنها مفعلة، ويحتمل أن تكون مفعلة بضم العين قالهما سيبويه، وقال الفراء مفعلة بفتح العين فالياء في معيشة أصلية وأعلت معيشة لموافقتها الفعل الذي هو يعيش في الياء أي في المتحرك والساكن، وصححت «معايش» في جمع التكسير لزوال الموافقة المذكورة في اللفظ ولأن التكسير معنى لا يكون في الفعل إنما تختص به الأسماء، ومن قرأ «معايش» فعلى التخفيف من «معايش»، ومن قرأ «معائش» فأعلها فذلك غلط، وأما توجيهه فعلى تشبيه الأصل بالزائد لأن معيشة تشبه في اللفظ صحيفة فكما يقال صحائف قيل «معائش»، وإنما همزت ياء صحائف ونظائرها مما الياء فيه زائدة لأنها لا أصل لها في الحركة وإنما وزنها فعلية ساكنة، فلما اضطر إلى تحريكها في الجمع بدلت بأجلد منها.
وقَلِيلًا نصب ب تَشْكُرُونَ، ويحتمل أن تكون ما زائدة، ويحتمل أن تكون مع الفعل بتأويل المصدر، قَلِيلًا نعت لمصدر محذوف تقديره شكرا قليلا شكركم، أو شكرا قليلا تشكرون.
وقوله تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ الآية، هذه الآية معناها التنبيه على موضع العبرة والتعجيب من غريب الصنعة وإسداء النعمة، فبدأ بالخلق الذي هو الإيجاد بعد العدم ثم بالتصوير في هذه البنية المخصوصة للبشر، وإلا فلم يعر المخلوق قط من صورة، واضطراب الناس في ترتيب هذه الآية لأن ظاهرها يقتضي أن الخلق والتصوير لبني آدم قبل القول للملائكة أن يسجدوا، وقد صححت الشريعة أن الأمر لم يكن كذلك، فقالت فرقة : المراد بقوله : وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ آدم بنفسه وإن كان الخطاب لبنيه، وذلك لما كان سبب وجود بنيه بما فعل فيه صح مع تجوز أن يقال إنه فعل في بنيه، وقال