المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٨٩
أبيّ «سوءاتكم وزينة ولبس التقوى»، وفي مصحف ابن مسعود «و لباس التقوى خير ذلكم»، ويروى عنه ذلك، وسقطت «ذلك» الأولى، وقرأ سكن النحوي «و لبوس التقوى» بالواو مرفوعة السين، وقرأ الجمهور من الناس «و ريشا» وقرأ الحسن وزر بن حبيش وعاصم فيما روى عنه أبو عمرو أيضا، وابن عباس وأبو عبد الرحمن ومجاهد وأبو رجاء وزيد بن علي وعلي بن الحسين وقتادة «و رياشا»، قال أبو الفتح : وهي قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال أبو حاتم : رواها عنه عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، وهما عبارتان عن سعة الرزق ورفاهية العيش ووجود الملبس والتمتع، وفسره قوم بالأثاث، وفسره ابن عباس بالمال، وكذلك قال السدي والضحاك، وقال ابن زيد «الريش» الجمال، وقيل «الرياش» جمع ريش كبير وبئار وذيب وذياب ولصب ولصاب وشعب وشعاب وقيل الرياش مصدر من أراشه اللّه يريشه إذا أنعم عليه، والريش مصدر أيضا من ذلك وفي الحديث «رجل راشه اللّه مالا».
قال القاضي أبو محمد : ويشبه ان هذا كله من معنى ريش الطائر وريش السهم إذ هو لباسه وسترته وعونه على النفوذ، وراش اللّه مأخوذ من ذلك، ألا ترى أنها تقرن ببرى ومن ذلك قول الشاعر :[لعمير بن حباب ]
فرشني بخير طال ما قد بريتني وخير الموالي من يريش ولا يبري
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي «و لباس» بالنصب عطفا على ما تقدم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة «و لباس» بالرفع فقيل هو خبر ابتداء مضمر تقديره وهو لباس، وقيل هو مبتدأ وذلِكَ مبتدأ آخر وخَيْرٌ خبر ذلِكَ، والجملة خبر الأول، وقيل هو مبتدأ وخَيْرٌ خبره وذلِكَ بدل أو عطف بيان أو صفة، وهذا أنبل الأقوال ذكره أبو علي في الحجة.
وقوله : ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ إشارة إلى جميع ما أنزل من اللباس والريش، وحكى النقاش أن الإشارة إلى لباس التقوى أي هو في العبد آية علامة وأمارة من اللّه أنه قد رضي عنه ورحمه، ولَعَلَّهُمْ ترج بحسبهم ومبلغهم من المعرفة وقال ابن جريج لِباسُ التَّقْوى الإيمان، وقال معبد الجهني : هو الحياء، وقال ابن عباس هو العمل الصالح، وقال أيضا، هو السمت الحسن في الوجه، وقاله عثمان بن عفان على المنبر، وقال عروة بن الزبير هو خشية اللّه، وقال ابن زيد هو ستر العورة، وقيل لِباسُ التَّقْوى الصوف وكل ما فيه تواضع للّه عز وجل، وقال الحسن : هو الورع والسمت والحسن في الدنيا، وقال ابن عباس لِباسُ التَّقْوى العفة، وقال زيد بن علي لِباسُ التَّقْوى السلاح وآلة الجهاد.
قال القاضي أبو محمد : وهذه كلها مثل وهي من لِباسُ التَّقْوى.
قال القاضي أبو محمد : وتتصور الصفة التي حكاها أبو علي في قوله : ذلِكَ لأن الأسماء توصف بمعنى الإشارة كما تقول جاءني زيد هذا كأنك قلت جاءني زيد المشار إليه فعلى هذا الحد توصف الأسماء بالمبهمات، وأما قوله فيه عطف بيان وبدل فهما واحد في اللفظ إنما الفرق بينهما في المعنى والمقصد، وذلك أنك تريد في البدل كأنك أزلت الأول وأعملت العامل في الثاني على نية تكرار العامل، وتريد في عطف البيان كأنك أبقيت الأول ثم ثنيته بعينه في ذكر الثاني وإنما يبين الفرق بين البدل وعطف البيان في


الصفحة التالية
Icon