المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٩٢
إقامة وجهوكم فيه للّه عز وجل، قال قوم : سببها أن قوما كانوا لا يصلون إلا في مساجدهم في قبلتهم، فإذا حضرت الصلاة في غير ذلك من المساجد لم يصلّوا فيها، وقوله مُخْلِصِينَ حال من الضمير في وَادْعُوهُ، والدِّينَ مفعول ب مُخْلِصِينَ.
قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة وابن عباس ومجاهد : المراد بقوله : كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ الإعلام بالبعث أي كما أوجدكم واخترعكم كذلك يعيدكم بعد الموت فالوقف على هذا التأويل تَعُودُونَ، وفَرِيقاً نصب ب هَدى، والثاني منصوب بفعل تقديره : وعذب فريقا أو أضل «فريقا حق عليهم»، وقال ابن عباس أيضا وأبو العالية ومحمد بن كعب ومجاهد أيضا وسعيد بن جبير والسدي وجابر بن عبد اللّه وروي معناه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : المراد بقوله كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ الإعلام بأن أهل الشقاء والكفر في الدنيا الذين كتب عليهم هم أهل الشقاء في الآخرة وأهل السعادة والإيمان الذين كتب لهم في الدنيا هم أهلها في الآخرة لا يتبدل من الأمور التي أحكمها ودبرها وأنفذها شيء، فالوقف في هذا التأويل في قوله تَعُودُونَ غير حسن، وفَرِيقاً على هذا التأويل نصب على الحال والثاني عطف على الأول، وفي قراءة أبي بن كعب «تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة»، والضمير في إِنَّهُمُ عائد على الفريق الذين حق عليهم الضلالة، وأَوْلِياءَ معناه : أنصارا وأصحابا وإخوانا، وَيَحْسَبُونَ معناه يظنون يقال : حسبت أحسب حسبانا وحسبا ومحسبة، قال الطبري :
وهذه الآية دليل على خطأ قول من زعم أن اللّه تعالى لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها على علم منه بموضع الصواب، وقرأ العباس بن الفضل وسهل بن شعيب وعيسى بن عمر «أنهم اتخذوا» بفتح الألف.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢)
هذا خطاب عام لجميع العالم وأمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مشركي العرب فيها، والزينة هاهنا الثياب الساترة قاله مجاهد والسدي، وقال طاوس : الشملة من الزينة.
قال القاضي أبو محمد : ويدخل فيها ما كان من الطيب للجمعة والسواك وبدل الثياب وكل ما وجد استحسانه في الشريعة ولم يقصد به مستعمله الخيلاء، وعِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ عند كل موضع سجود فهي إشارة إلى الصلوات وستر العورة فيها هذا هو مهم الأمر، ويدخل مع الصلاة مواطن الخير كلها، ومع ستر العورة ما ذكرناه من الطيب للجمعة وغير ذلك، وذكر مكي حديثا أن معنى خُذُوا زِينَتَكُمْ صلوا في النعال، وما أحسبه يصح.
وقوله تعالى : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا نهي عما كانوا التزموه من تحريم اللحم والودك في أيام الموسم،