المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٠٠
قال القاضي أبو محمد : معناه أنه لما قال اللّه لِكُلٍّ ضِعْفٌ قال الأولون للآخرين لم تبلغوا أملا في أن يكون عذابكم أخف من عذابنا ولا فضلتم بالإسعاف والنص عليه.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٠ الى ٤٢]
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢)
هذه الآية عامة في جميع الكفرة قديمهم وحديثهم، وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر «لا تفتّح» بضم التاء الأولى وتشديد الثانية، وقرأ أبو عمرو «تفتح» بضم التاء وسكون الفاء وتخفيف الثانية، وقرأ حمزة والكسائي «يفتح» بالياء من أسفل وتخفيف التاء، وقرأ أبو حيوة وأبو إبراهيم «يفتّح» بالياء وفتح الفاء وشد التاء، ومعنى الآية لا يرتفع لهم عمل ولا روح ولا دعاء، فهي عامة في نفي ما يوجب للمؤمنين باللّه تعالى، قاله ابن عباس وغيره، وذكر الطبري في كيفية قبض روح المؤمن والكافر آثارا اختصرتها إذ ليست بلازمة في الآية، وللين أسانيدها أيضا، ثم نفى اللّه عز وجل عنهم دخول الجنة وعلق كونه بكون محال لا يكون، وهو أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة حيث يدخل الخيط، والْجَمَلُ كما عهد وال سَمِّ كما عهد، وقرأ جمهور المسلمين :«الجمل»، واحد الجمال، وقال الحسن هو الجمل
قال القاضي أبو محمدعبارة تدل على حرج السائل لارتياب السائلين لا شك باللفظة من أجل القراءات المختلفة، وذكر الطبري عن مجاهد عن ابن مسعود أنه كان يقرأ :«حتى يلج الجمل الأصفر»، وقرأ أبو السمال «الجمل» بسكون الميم وقرأ ابن عباس وعكرمة ومجاهد وابن جبير والشعبي ومالك بن الشخير وأبو رجاء :«الجمل» بضم الجيم وتشديد الميم وهو حبل السفينة، وقرأ سالم الأفطس وابن خير وابن عامر أيضا :«الجمل» بتخفيف الميم من الجمل وقالوا هو حبل السفن، وروى الكسائي أن الذي روى تثقيل الميم عن ابن عباس كان أعجميا فشدد الميم لعجمته.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لكثرة أصحاب ابن عباس على القراءة المذكورة وقرأ سعيد بن جبير فيما روي عنه :«الجمل» بضم الجيم وسكون الميم، وقرأ ابن عباس أيضا :«الجمل» بضم الجيم والميم، و«السم» : الثقب من الإبرة وغيرها يقال سم وسم بفتح السين وكسرها وضمها، وقرأ الجمهور بفتح السين، وقرأ ابن سيرين بضمها، وقرأ أبو حيوة بضمها وبكسرها، وروي عنه الوجهان، والْخِياطِ والمخيط الإبرة، وقرأ ابن مسعود :«في سم المخيط» بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء، وقرأ طلحة «في سم المخيط» بفتح الميم، وكذلك أبى على هذه الصفة وبمثل هذا الحتم وغيره يجزى الكفرة وأهل الجرائم على اللّه تعالى.


الصفحة التالية
Icon