المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٠٩
اللّه عليه وسلم، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «يغشي» من أغشى، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي «يغشّي» بالتشديد من غشّى، وهما طريقان في تعدية «غشي» إلى مفعول ثان، وقرأ حميد «يغشى» بفتح الياء والشين ونصب «الليل» ورفع «النهار»، كذا قال أبو الفتح وقال أبو عمرو الداني برفع «الليل» قال القاضي أبو محمد : وأبو الفتح أثبت وحَثِيثاً معناه سريعا، ويَطْلُبُهُ حَثِيثاً حال من الليل بحسب اللفظ على قراءة الجماعة، ومن النهار بحسب المعنى، وأما على قراءة حميد فمن النهار في الوجهين، ويحتمل أن يكون حالا منهما، ومثله قوله تعالى : فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ [مريم : ٢٧] فيصح أن يكون تَحْمِلُهُ حالا منها، وأن يكون حالا منه وأن يكون حالا منهما. ومُسَخَّراتٍ في موضع الحال، وقرأ ابن عامر وحده من السبعة و«الشمس والقمر والنجوم مسخرات» بالرفع في جميعها، ونصب الباقون هذه الحروف كلها، وقرأ أبان بن تغلب و«الشمس والقمر» بالنصب، و«النجوم مسخرات» بالرفع.
وأَلا استفتاح كلام فاستفتح بها في هذا الموضع هذا الخبر الصادق المرشد.
قال القاضي أبو محمد : وأخذ المفسرون الْخَلْقُ بمعنى المخلوقات. أي هي له كلها وملكه واختراعه، وأخذوا الْأَمْرُ مصدرا من أمر يأمر، وعلى هذا قال النقاش وغيره : إن الآية ترد على القائلين بخلق القرآن لأنه فرق فيها بين المخلوقات وبين الكلام إذ الأمر كلامه عز وجل.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن تؤخذ لفظة الْخَلْقُ على المصدر من خلق يخلق خلقا أي له هذه الصفة إذ هو الموجد للأشياء بعد العدم، ويؤخذ الْأَمْرُ على أنه واحد الأمور إلا أنه يدل على الجنس فيكون بمنزلة قوله وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ [هود : ١٢٣] وبمنزلة قوله وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [البقرة :
٢١٠] فإذا أخذت اللفظتان هكذا خرجتا عن مسألة الكلام.
قال القاضي أبو محمد : ولما تقدم في الآية خلق وبأمره تأكد في آخره أن لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ المصدرين حسب تقدمهما، وكيف ما تأولت الآية فالجميع للّه، وأسند الطبري إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«من زعم أن اللّه تعالى جعل لأحد من العباد شيئا من الأمر فقد كفر بما أنزل اللّه لقوله تعالى : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ»، قال النقاش : ذكر اللّه الإنسان في القرآن في ثمانية عشر موضعا في جميعها أنه مخلوق، وذكر القرآن في أربعة وخمسين موضعا ليس في واحد منها إشارة إلى أنه مخلوق، وقال الشعبي الْخَلْقُ عبارة عن الدنيا والْأَمْرُ عبارة عن الآخرة، وتَبارَكَ معناه عظم وتعالى وكثرت بركاته، ولا يوصف بها إلا اللّه تعالى، وتَبارَكَ لا يتصرف في كلام العرب، لا يقال منه يتبارك، وهذا منصوص عليه لأهل اللسان.
قال القاضي أبو محمد : وعلة ذلك أن تَبارَكَ لما لم يوصف بها غير اللّه تعالى لم تقتض مستقبلا إذ اللّه قد تبارك في الأزل، وقد غلط بها أبو علي القالي فقيل له كيف المستقبل من تبارك فقال يتبارك فوقف على أن العرب، لم تقله، و«الرب» السيد المصلح، والْعالَمِينَ جمع عالم.