المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤١٩
الحرم وادعوا لعل اللّه يغيثهم فخرجوا لذلك فقال لهم مرثد بن سعد إنكم واللّه ما تسقون بدعائكم، ولكنكم إن أطعتم نبيكم وآمنتم به سقيتم، وأظهر إيمانه يومئذ فخالفه الوفد، وقالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر احبسا عنا مرثدا ولا يدخل معنا الحرم، فإنه قد اتبع هودا ومضوا إلى مكة فاستسقى قيل بن عنز، وقال يا إلهنا إن كان هود صالحا فاسقنا فإنّا قد هلكنا، فأنشأ اللّه سحائب ثلاثا بيضاء وسوداء، ثم ناداه مناد من السحاب يا قيل اختر لنفسك وقومك من هذا السحاب، فقال قيل قد اخترت السوداء فإنها أكثرها ماء، فنودي اخترت رمادا رمددا لا تبقي من عاد أحدا، لا والدا ولا ولدا، إلا جعلتهم همدا، وساق اللّه السحابة السوداء التي اختارها قيل إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث، فلما رأوها قالوا هذا عارض ممطرنا، حتى عرفت أنها ريح امرأة من عاد يقال لها مهد، فصاحت وصعقت فلما أفاقت قيل لها ما رأيت؟ قالت رأيت ريحا كشهب النار أمامها رجال يقودونها، فسخرها اللّه عليهم ثمانية أيام حسوما وسبع ليال، والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك، فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه من الريح إلا ما يلتذ به.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قصص وقع في تفسير مطولا، وفيه اختلاف فاقتضبت عيون ذلك بحسب الإيجاز وفي خبرهم أن الريح كانت تدمغهم بالحجارة وترفع الظعينة عليها المرأة، حتى تلقيها في البحر، وفي خبرهم أن أقوياءهم كان أحدهم يسد بنفسه مهب الريح حتى تغلبه فتلقيه في البحر، فيقوم آخر مكانه حتى هلك الجميع، وقال زيد بن أسلم : بلغني أن ضبعا ربت أولادها في حجاج عين رجل منهم وفي خبرهم، أن اللّه بعث لما هلكت عاد طيرا وقيل أسدا فنقلت جيفهم حتى طرحتها في البحر، فذلك قوله فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ [الأحقاف : ٢٥] في بعض ما روي من شأنهم : أن الريح لم تبعث قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها تمت على الخزنة فغلبتهم فذلك قوله : فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ [الحاقة : ٦] وروي أن هودا لما هلكت عاد نزل بمن آمن معه إلى مكة فكانوا بها حتى ماتوا، فاللّه علم أي ذلك كان.
وقوله تعالى : قالُوا أَجِئْتَنا الآية، ظاهر قولهم وحده أنهم أنكروا أن يتركوا أصنامهم ويفردوا العبادة للّه مع إقرارهم بالإله الخالق المبدع، ويحتمل أن يكونوا منكرين للّه ويكون قولهم لنعبد اللّه وحده أي على قولك يا هود، والتأويل الأول أظهر فيهم وفي عباد الأوثان كلهم، ولا يجحد ربوبية اللّه تعالى من الكفرة إلا من أفرطت غباوته كإربد بن ربيعة، وإلا من ادعاها لنفسه كفرعون ونمرود، وقوله : فَأْتِنا تصميم على التكذيب واحتقار لأمر النبوءة واستعجال للعقوبة، وتمكن قولهم : تَعِدُنا لما كان هذا الوعد مصرحا به في الشر ولو كان ذكر الوعد مطلقا لم يجىء إلا في خبر.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧١ الى ٧٣]
قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣)


الصفحة التالية
Icon