المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٢٢
رماها بالحربة ثم سقطت فنحرها، ثم اتبعوا الفصيل فهرب منهم حتى علا ربوة ورغا ثلاث مرات واستغاث فلحقوه وعقروه، وفي بعض الروايات أنهم وجدوا الفصيل على رابية من الأرض فأرادوه فارتفعت به حتى لحقت به في السماء فلم يقدروا عليه، فرغا الفصيل مستغيثا باللّه تعالى فأوحى اللّه إلى «صالح» أن مرهم فليتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، وحكى النقاش عن الحسن أنه قال إن اللّه تعالى أنطق الفصيل فنادى أين أمي؟ فقال لهم «صالح» إن العذاب واقع بكم في الرابع من عقر الناقة، وروي : أنه عقرت يوم الأربعاء وقال لهم «صالح» تحمر وجوهم غدا وتصفر في الثاني وتسود في الثالث وينزل العذاب في الرابع يوم الأحد، فلما ظهرت العلامة التي قال لهم أيقنوا واستعدوا ولطخوا أبدانهم بالمن، وحفروا القبور وتحنطوا فأخذتهم الصيحة وخرج صالح ومن معه حتى نزل رملة فلسطين.
قال القاضي أبو محمد : وهذا القصص اقتضبته من كثير أورده الطبري رحمه اللّه رغبة الإيجاز، وقال أبو موسى الأشعري : أتيت بلاد ثَمُودَ فذرعت صدر الناقة فوجدته ستين ذراعا.
قال القاضي أبو محمد : وبلاد ثَمُودَ هي بين الشام والمدينة، وهي التي مر بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع المسلمين في غزوة تبوك فقال لا تدخلوا مساكين الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم، ثم اعتجر بعمامته وأسرع السير صلى اللّه عليه وسلم وروي أن المسافة التي أهلكت الصيحة أهلها هي ثمانية عشر ميلا، وهي بلاد الحجر ومراتعها الجناب وحسمي إلى وادي القرى وما حوله، وقيل في قدار إنه ولد زنا من رجل يقال له ظيبان وولد على فراش سالف فنسب إليه ذكره قتادة وغيره، وذكر الطبري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مر بقبر فقال أتعرفون ما هذا قالوا : لا، قال هذا قبر أبي رغال الذي هو أبو ثقيف كان من ثَمُودَ فأصاب قومه البلاء وهو بالحرم فسلم فلما خرج من الحرم أصابه ما أصابهم فدفن هنا وجعل معه غصن من ذهب قال فابتدر القوم بأسيافهم فحفروا حتى أخرجوا الغصن.
قال القاضي أبو محمد : وهذا الخبر يريد ما في السير من أن أبا رغال هو دليل الفيل وحبيسه إلى مكة واللّه أعلم.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧٤ الى ٧٦]
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦)
بَوَّأَكُمْ معناه مكنكم، وهي مستعملة في المكان وظروفه، تقول تبوأ فلان منزلا حسنا، ومنه قوله


الصفحة التالية
Icon