المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٣٠
وسمير وعمران كاهناهم والرقيم كلبهم، وروي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا ذكر «شعيبا» قال : ذلك خطيب الأنبياء لقوله لقومه : وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ. [هود : ٨٨].
قال القاضي أبو محمد : يريد لحسن مراجعته وجميل تلطفه. وحكى الطبري عن أبي عبد اللّه البجلي أنه قال : أبو جاد وهو زوحطي وكلمن وصعفض وقرست أسماء ملوك مدين، وكان الملك يوم الظلة كلمن، فقالت أخته ترثيه :[مجزوء الرمل ]
كلمن قد هد ركني هلكه وسط المحلة
سيد القوم اتساه حتف نار وسط ظله
جعلت نار عليهم دارهم كالمضمحله
قال القاضي أبو محمد : وهذه حكاية مظنون بها واللّه علم، وقد تقدم معنى جاثِمِينَ.
وقوله : كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا لفظ فيه للإخبار عن قوة هلاكهم ونزول النقمة بهم والتنبيه على العبرة بهم، ونحو هذا قول الشاعر :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
ويَغْنَوْا معناه يقيموا ويسكنوا.
قال القاضي أبو محمد : وغنيت في المكان إنما يقال في الإقامة التي هي مقترنة بتنعم وعيش مرض، هذا الذي استقريت من الأشعار التي ذكرت العرب فيها هذه اللفظة فمن ذلك قول الشاعر :
[الوافر]
وقد نغنى بها ونرى عصورا بها يقتدننا الخرد الخذالا
ومنه قول الآخر :[الرمل ]
ولقد يغنى بها جيرانك المس تمسكو منكم بعهد ووصال
أنشده الطبري، ومنه قول الآخر :[الطويل ] ألا حيّ من أجل الحبيب المغانيا ومنه قول مهلهل :[الخفيف ]
غنيت دارنا تهامة في الدهر وفيها بنو معد حلّوا
ويشبه أن تكون اللفظة من الاستغناء، وأما قوله : كأن لم تغن بالأمس ففيه هذا المعنى لأن المراد كأن لم تكن ناعمة نضرة مستقلة، ولا توجد فيما علمت إلا مقترنة بهذا المعنى وأما قول الشاعر :[الطويل ]
غنينا زمانا بالتصعلك والغنا وكلا سقاناه بكأسيهما الدهر
فمعناه استغنينا بذلك ورضيناه مع أن هذه اللفظة ليست مقترنة بمكان.


الصفحة التالية
Icon