المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٣٢
وعليه قوله صلى اللّه عليه وسلم «أحفوا الشوارب واعفوا اللحى» وعفا أيضا في اللغة بمعنى درس وبلى فقال بعض الناس هي من الألفاظ التي تستعمل للضدين، وأما قول زهير :
على آثار من ذهب العفاء فيحتمل ثلاثة معان الدعاء بالدرس، والإخبار به، والدعاء بالنمو والنبات، كما يقال جادته الديم وسقته العهاد ولما بدل اللّه حالهم بالخير لطفا بهم فنموا رأى الخلق بعد ذلك للكفر الذي هم فيه أن إصابة الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ إنما هي بالاتفاق، وليست بقصد كما يخبر النبي، واعتقدوا أن ما أصابهم من ذلك إنما هو كالاتفاق الذي كان لآبائهم فجعلوه مثالا، أي قد أصاب هذا آباءنا فلا ينبغي لنا أن ننكره، فأخبر اللّه تعالى أنه أخذ هذه الطوائف التي هذا معتقدها، وقوله بَغْتَةً أي فجأة وأخذة أسف وبطشا للشقاء السابق لهم في قديم علمه، والسَّرَّاءُ السرور والحبرة، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ معناه وهم مكذبون بالعذاب لا يتحسسون لشيء منه ولا يستشعرونه باستذلال وغيره.
وقوله تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا الآية المعنى في هذه الآية أنهم لو كانوا ممن سبق في علم اللّه أن يكتسبوا الإيمان والطاعات ويتصفوا بالتقى لتبع ذلك من فضل اللّه ورحمته وإنعامه ما ذكر من بركات المطر والنبات ولكنهم لما كانوا ممن سبق كفرهم وتكذيبهم تبع ذلك أخذ اللّه لهم بسوء ما اجترموه، وكل مقدور، والثواب والعقاب متعلق بكسب البشر، وبسببه استندت الأفعال إليهم في قوله : آمَنُوا وَاتَّقَوْا وفي كَذَّبُوا وقرأ الستة من القراء السبعة «لفتحنا» بخفيف التاء وهي قراءة الناس، وقرأ ابن عامر وحده وعيسى الثقفي وأبو عبد الرحمن :«لفتّحنا» بتشديد التاء، وفتح البركات إنزالها على الناس ومنه قوله تعالى : ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ [فاطر : ٢] ومنه قالت الصوفية : الفتوح والبركات النمو والزيادات، ومن السماء لجهة المطر والريح والشمس، ومن الأرض لجهة الإنبات والحفظ لما ينبت، هذا هو الذي يدركه نظر البشر وللّه خدام غير ذلك لا يحصى عددهم، وما في علم اللّه أكثر.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٧ الى ١٠٠]
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠)
هذه الآية تتضمن وعيدا للكفار المعاصرين لمحمد صلى اللّه عليه وسلم لأنه لما أخبر عما فعل في الأمم الخالية قال : ومن يؤمن هؤلاء أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك، وهذا استفهام على جهة التوقيف، والبأس : العذاب، وبَياتاً نصب على الظرف أي وقت مبيتهم بالليل، ويحتمل أن يكون هذا في موضع الحال.