المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٣٥
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٨]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨)
الضمير في قوله مِنْ بَعْدِهِمْ عائد على الأنبياء المتقدم ذكرهم وعلى أممهم، و«الآيات» في هذه الآية عام في التسع وغيرها، وقوله فَظَلَمُوا بِها المعنى فظلموا أنفسهم فيها وبسببها وظلموا أيضا مظهرها، ومتبعي مظهرها وقيل لما نزلت ظلموا منزلة كفروا وجحدوا عديت بالباء كما قال :[الفرزدق ]
قد قتل اللّه زيادا عني
فأنزل قتل منزلة صرف، ثم حذر اللّه من عاقبة المفسدين الظالمين وجعلهم مثالا يتوعد به كفرة عصر النبي صلى اللّه عليه وسلم.
وفِرْعَوْنُ اسم كل ملك لمصر في ذلك الزمان فخاطبه موسى بأعظم أسمائه وأحبها إليه إذ كان من الفراعنة كالنمارذة في يونان وقيصر في الروم وكسرى في فارس والنجاشي في الحبشة، وروي أن موسى بن عمران بن فاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، وروي أن اسم فرعون موسى عليه السلام الوليد بن مصعب، وقيل هو فرعون يوسف وأنه عمر نيفا وأربعمائة سنة.
قال القاضي أبو محمد : ومن قال إن يوسف المبعوث الذي أشار إليه موسى في قوله وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ [غافر : ٣٤] هو غير يوسف الصديق فليس يحتاج إلى نظر، ومن قال إنه يوسف الصديق فيعارضه ما يظهر من قصة يوسف، وذلك أنه ملك مصر بعد عزيزها، فكيف يستقيم أن يعيش عزيزها إلى مدة موسى، فينفصل أن العزيز ليس بفرعون الملك إنما كان حاجبا له.
وقرأ نافع وحده عَلى بإضافة «على» إليه، وقرأ الباقون «على» سكون الياء، قال الفارسي : معنى هذه القراءة أن «على» وضعت موضع الباء، كأنه قال حقيق بأن لا أقول على اللّه الحق كما وضعت الباء موضع «على» في قوله وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ [الأعراف : ٨٦] فيتوصل إلى المعنى بهذه، وبهذه وكما تجيء «على» أيضا بمعنى عن، ومنه قول الشاعر في صفة قوسه :
أرمي عليها وهي فرع أجمع وهي ثلاث أذرع وإصبع
قال القاضي أبو محمد : وحَقِيقٌ عَلى هذا معناه جدير وخليق، وقال الطبري : قال قوم : حَقِيقٌ معناه حريص فلذلك وصلت ب عَلى، وفي هذا القول بعد، وقال قوم : حَقِيقٌ صفة لرسول تم عندها الكلام، وعلى خبر مقدم وأَنْ لا أَقُولَ ابتداء تقدم خبره، وإعراب أَنْ على قراءة من سكن الياء خفض، وعلى قراءة من فتحها مشددة رفع، وقال الكسائي في قراءة عبد اللّه «حقيق بأن لا أقول»، وقال أبو


الصفحة التالية
Icon