المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٤٨
إلى اللّه، وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى : اجعل لنا صنما نفرده بالعبادة ونكفر بربك، فعرفهم موسى أن هذا جهل منهم إذ سألوا أمرا حراما فيه الإشراك في العبادة ومنه يتطرق إلى إفراد الأصنام بالعبادة والكفر باللّه عز وجل، وعلى هذا الذي قلت يقع التشابه الذي قصه النبي صلى اللّه عليه وسلم في قول أبي واقد الليثي له في غزوة حنين إذ مروا على دوح سدرة خضراء عظيمة : اجعل لنا يا رسول اللّه ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، وكانت ذات أنواط سرحة لبعض المشركين يعلقون بها أسلحتهم ولها يوم يجتمعون إليها فيه، فأراد أبو واقد وغيره أن يشرع ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الإسلام، فرأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنها ذريعة إلى عبادة تلك السرحة، فأنكره وقال :«اللّه أكبر قلتم واللّه كما قالت بنو إسرائيل اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ لتتبعن سنن من قبلكم».
قال القاضي أبو محمد : ولم يقصد أبو واقد بمقالته فسادا، وقال بعض الناس كان ذلك من بني إسرائيل كفرا ولفظة الإله تقتضي ذلك، وهذا محتمل، وما ذكرته أولا أصح عندي واللّه تعالى أعلم.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٩ الى ١٤١]
إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١)
أعلمهم موسى عن اللّه عز وجل بفساد حال أولئك القوم ليزول ما استحسنوه من حالهم فقال إِنَّ هؤُلاءِ إشارة إلى أولئك القوم مُتَبَّرٌ أي مهلك مدمر ردي العاقبة، قاله السدي وابن زيد، والتبار الهلاك وسوى العقبى وإناء متبر أي مكسور وكسارته تبر ومنه تبر الذهب لأنه كسارة، وقوله : ما هُمْ فِيهِ لفظ يعم جميع حالهم وَباطِلٌ معناه فاسد ذاهب مضمحل.
وقوله تعالى : قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ الآية، أمر اللّه موسى عليه السلام أن يوقفهم ويقررهم على هذه المقالة، ويحتمل أن يكون القول من تلقائه عليه السلام، أَبْغِيكُمْ معناه : أطلب لكم، من بغيت الشيء إذا طلبته، وغَيْرَ منصوبة بفعل مضمر هذا هو الظاهر، ويحتمل أن ينتصب على الحال كأن تقدير الكلام : قال أبغيكم إلها غير اللّه فهي في مكان الصفة فلما قدمت نصبت على الحال، والْعالَمِينَ لفظ عام يراد به تخصيص عالم زمانهم، لأن أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم أفضل منهم بإجماع، ولقوله تعالى : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران : ١١٠] اللهم إلا أن يراد بالفضل كثرة الأنبياء منهم فإنهم فضلوا في ذلك على العالمين بالإطلاق.
ثم عدد عليهم في هذه الآية النعم التي يجب من أجلها أن لا يكفروا به ولا يرغبوا عبادة غيره، وقرأت فرقة «نجيناكم»، وقرأ جمهور الناس :«أنجيناكم» وقد تقدم، وروي عن ابن عباس «و إذ أنجاكم» أي أنجاكم اللّه وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، ويَسُومُونَكُمْ معناه يحملونكم ويكلفونكم، تقول