المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٥٠
المسك فأفسدته بالسواك فزيدت عليه عشر ليال، وثَلاثِينَ نصب على تقدير أجلناه «ثلاثين» وليست منتصبة على الظرف لأن المواعدة لم تقع في «الثلاثين»، ثم ردد الأمر بقوله فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً قيل ليبين أن «العشر» لم تكن ساعات وبالجملة فتأكيد وإيضاح.
وقوله تعالى : وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ... الآية، المعنى : وقال موسى حين أراد المضي للمناجاة والمغيب فيها، واخْلُفْنِي معناه كن خليفتي وهذا استخلاف في حياة كالوكالة التي تنقضي بعزل الموكل أو موته لا يقتضي أنه متماد بعد وفاة فينحل على هذا ما تعلق به الإمامية في قولهم إن النبي صلى اللّه عليه وسلم استخلف عليا بقوله أنت مني كهارون من «موسى» وقال موسى اخْلُفْنِي فيترتب على هذا أن عليا خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وما ذكرناه يحل هذا القياس. وأمره في هذه الآية بالإصلاح ثم من الطرق الأخر في أن لا يتبع سبيل مفسد، قال ابن جريج : كان من الإصلاح أن يزجر السامري ويغير عليه.
ثم أخبر اللّه تعالى عن «موسى» عليه السلام أنه لما جاء إلى الموضع الذي حد له وفي الوقت الذي عين له وكلمه ربه قال تمنيا منه أي رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ وقرأ الجمهور : أَرِنِي بكسر الراء، وقرأ أبو عمرو وابن كثير أَرِنِي بسكون الراء، والمعنى في قوله كَلَّمَهُ أي خلق له إدراكا سمع به الكلام القائم بالذات القديم الذي هو صفة ذات، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : أدنى اللّه تعالى «موسى» حتى سمع صريف الأقلام في اللوح، وكلام اللّه عز وجلّ لا يشبه شيئا من الكلام الذي للمخلوقين ولا في جهة من الجهات وكما هو موجود لا كالموجودات، ومعلوم لا كالمعلومات، كذلك كلامه لا يشبه الكلام الذي فيه علامات الحدوث، والواو عاطفة كَلَّمَهُ على جاءَ، ويحتمل أن تكون واو الحال والأول أبين، وقال وهب بن منبه كلم اللّه «موسى» في ألف مقام كان يرى نور على وجهه ثلاثة أيام إثر كل مقام، وما قرب «موسى» النساء منذ «كلمه» اللّه تعالى، وجواب لَمَّا في قوله قالَ، والمعنى أنه لما «كلمه» وخصه بهذه المرتبة طمحت همته إلى رتبة الرؤية وتشوق إلى ذلك، فسأل ربه أن يريه نفسه، قاله السدي وأبو بكر الهذلي، وقال الربيع : قربناه نجيا حتى سمع صريف الأقلام، ورؤية اللّه عز وجل عند الأشعرية وأهل السنة جائزة عقلا، لأنه من حيث هو موجود تصح رؤيته، قالوا لأن الرؤية للشيء لا تتعلق بصفة من صفاته أكثر من الوجود، إلا أن الشريعة قررت رؤية اللّه تعالى في الآخرة نصا ومنعت من ذلك في الدنيا بظواهر من الشرع، فموسى عليه السلام لم يسأل ربه محالا وإنما سأل جائزا.
وقوله تعالى : لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ الآية ليس بجواب من سأل محالا، وقد قال تعالى لنوح فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [هود : ٤٦] فلو سأل «موسى» محالا لكان في الكلام زجر ما وتبيين، وقوله عز وجل : لَنْ تَرانِي نص من اللّه تعالى على منعه الرؤية في الدنيا، ولَنْ تنفي الفعل المستقبل ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده لقضينا أنه لا يراه «موسى» أبدا ولا في الآخرة لكن ورد من جهة أخرى بالحديث المتواتر ان أهل الإيمان يرون اللّه تعالى يوم القيامة، فموسى عليه السلام أحرى برؤيته، وقال مجاهد وغيره : إن اللّه عز وجل قال لموسى لن تراني ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشد فإن استقر وأطاق الصبر لهيبتي فستمكنك أنت رؤيتي.
قال القاضي أبو محمد : فعلى هذا إنما جعل اللّه له الجبل مثالا وقالت فرقة : إنما المعنى سأتبدى لك