المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٧٦
وقوله : شَهِدْنا يحتمل أن يكون من قول بعض النسم لبعض أي شهدنا عليكم لئلا تقولوا يوم القيامة غفلنا عن معرفة اللّه والإيمان به فتكون مقالة من هؤلاء لهؤلاء، ذكره الطبري، وعلى هذا لا يحسن الوقف على قوله : بَلى ويحتمل أن يكون قوله شَهِدْنا من قول الملائكة فيحسن الوقف على قوله بَلى، قال السدي : المعنى قال اللّه وملائكته شهدنا، ورواه عبد اللّه بن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقرأ السبعة غير أبي عمرو :«أن تقولوا» على مخاطبة حاضرين، وقرأ أبو عمرو وحده، «أن يقولوا» على الحكاية عن غائبين وهي قراءة ابن عباس وابن جبير وابن محيصن والقراءتان تتفسر بحسب المعنيين المذكورين، وأَنْ في موضع نصب على تقدير مخافة أن.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧٣ الى ١٧٥]
أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥)
قال القاضي أبو محمد : المعنى في هذه الآيات أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمنه العهد من توحيد اللّه وعبادته لكانت لهم حجتان، إحداهما كنا غافلين، والأخرى كنا تباعا لأسلافنا فكيف نهلك، والذنب إنما هو لمن طرق لنا وأضلنا فوقعت شهادة بعضهم على بعض أو شهادة الملائكة عليهم لتنقطع لهم هذه الحجج، والاختلاف في «يقولوا» أو «تقولوا» بحسب الأول.
وقوله تعالى : وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ تقديره وكما فعلنا هذه الأمور وأنفذنا هذه المقادير فكذلك نفصل الآيات ونبينها لمن عاصرك وبعثت إليه، لَعَلَّهُمْ على ترجيهم وترجيكم وبحسب نظر البشر، يَرْجِعُونَ إلى طاعة اللّه ويدخلون في توحيده وعبادته، وقرأت فرقة «يفصل» بالياء.
وقوله تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ الآية، اتْلُ معناه قص واسرد، والضمير في عَلَيْهِمْ عائد على حاضري محمد صلى اللّه عليه وسلم من الكفار وغيرهم، واختلف المتأولون في الذي أوتي الآيات، فقال عبد اللّه بن مسعود وغيره : هو رجل من بني إسرائيل بعثه موسى عليه السلام إلى ملك مدين داعيا إلى اللّه تعالى وإلى الشريعة وعلمه من آيات اللّه ما يمكن أن يدعو به وإليه، فلما وصل رشاه الملك وأعطاه على أن يترك دين موسى ويتابع الملك على دينه، ففعل وفتن الملك به الناس وأضلهم، وقال ابن عباس : هو رجل من الكنعانيين الجبارين اسمه بلعم، وقيل بلعام بن عابر، وقيل ابن آبر، وقيل غير هذا مما ذكره تطويل، وكان في جملة الجبارين الذين غزاهم موسى عليه السلام، فلما قرب منهم موسى لجؤوا إلى بلعام وكان صالحا مستجاب الدعوة، وقيل كان عنده علم من صحف إبراهيم ونحوها، وقال مجاهد كان رشح للنبوءة وأعطيها فرشاه قومه على أن يسكت ففعل.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول مردود لا يصح عن مجاهد، ومن أعطي النبوءة فقد أعطي العصمة