المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٩٨
قال القاضي أبو محمد : وقال ابن عباس أيضا الْأَنْفالِ في الآية ما يعطيه الإمام لمن رآه من سيف أو فرس أو نحوه، وهذا أيضا يحسن مع الآية ومع ما ذكرناه من آثار يوم بدر. وقال علي بن صالح بن جني والحسن فيما حكى المهدوي : الْأَنْفالِ في الآية ما تجيء به السرايا خاصة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا القول بعيد عن الآية غير ملتئم مع الأسباب المذكورة، بل يجيء خارجا عن يوم بدر، وقال مجاهد : الْأَنْفالِ في الآية الخمس، قال المهاجرون : لم يخرج منا هذا الخمس، فقال اللّه تعالى هو للّه وللرسول، وهذا أيضا قول قليل التناسب مع الآية، وقال ابن عباس وعطاء أيضا : الْأَنْفالِ في الآية ما شد من أموال المشركين إلى المسلمين كالفرس والغائر والعبد الآبق هو للنبي صلى اللّه عليه وسلم يصنع فيه ما شاء، وقال ابن عباس أيضا : الْأَنْفالِ في الآية ما أصيب من أموال المشركين بعد قسمة الغنيمة هو للّه ورسوله.
قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان لا تخرج بهما الآية عن الأسباب التي رويت في يوم بدر ولا تختص الآية بيوم بدر على هذا، وكأن هاتين المقالتين إنما هي فيما ناله الجيش دون قتال وبعد تمام الحرب وارتفاع الخوف، وأولى هذه الأقوال وأوضحها القول الأول الذي تظاهرت الروايات بأسبابه وناسبه الوقت الذي نزلت الآية فيه، وحكى النقاش عن الشعبي أنه قال : الْأَنْفالِ الأسارى.
قال القاضي أبو محمد : وهذا إنما هو على جهة المثال فيعني كل ما يغنم، ويحسن في تفسير هذه الآية أن نذكر شيئا من اختلاف العلماء في تنفيل الإمام لمن رآه من أهل النجدة والغناء وما يجوز من ذلك وما يمتنع وما لهم في السلب من الاختلاف، فقالت فرقة لا نفل بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقال الجمهور : النفل باق إلى يوم القيامة، ينفل إمام الجيش ما رآه لمن رآه لكن بحسب الاجتهاد والمصلحة للمسلمين ليحض الناس على النجدة وينشطهم إلى مكافحة العدو والاجتهاد في الحرب، ثم اختلفوا فقال ابن القاسم عن مالك في المدونة : إنما ينفل الإمام من الخمس لا من جملة الغنيمة، وينفل في أول المغنم وفي آخره بحسب اجتهاده، وقالت فرقة : إنما ينفل الإمام قبل القتال، وأما إذا جمعت الغنائم فلا نفل.
قال القاضي أبو محمد : وهذا إنما يكون على هذا القول بأن يقول من قتل قتيلا فله كذا وكذا، أو يقول لسرية إن وصلتم إلى موضع كذا فلكم كذا، وقال الشافعي وابن حنبل : لا نفل إلا بعد الغنيمة قبل التخميس، وقال إبراهيم النخعي : ينفل الإمام متى شاء قبل التخميس، وقال أنس بن مالك ورجاء بن حيوة ومكحول والقاسم وجماعة منهم الأوزاعي وأحمد وإسحاق وعدي بن عدي : لا نفل إلا بعد إخراج الخمس ثم ينفل الإمام من أربعة الأخماس ثم يقسم الباقي بين الناس : وقال ابن المسيب : إنما ينفل الإمام من خمس الخمس، وقال مالك رحمه اللّه لا يجوز أن يقول الأمير من هدم كذا من الحصن فله كذا ومن بلغ إلى كذا فله كذا، ولا أحب لأحد أن يسفك دما على مثل هذا، قال سحنون : فإن نزل ذلك لزمه فإنه مبايعة.
وقال مالك رحمه اللّه : لا يجوز أن يقول الإمام لسرية : ما أخذتم فلكم ثلثه، قال سحنون : يريد ابتداء، فإن نزل مضى ولهم أنصباؤهم في الباقي، وقال سحنون : إذا قال الإمام لسرية : ما أخذتم فلا خمس عليكم فيه، فهذا لا يجوز فإن نزل رددته لأن هذا حكم شاذ لا يجوز ولا يمضى، ويستحب على مذهب مالك إن