المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٥٠٠
فَاتَّقُوا اللَّهَ معناها في الكلام، اجعل بينك وبين المحذور وقاية، وقوله وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ تصريح بأنه شجر بينهم اختلاف ومالت النفوس إلى التشاح، وذاتَ في هذا الموضع يراد بها نفس الشيء وحقيقته، والذي يفهم من بَيْنِكُمْ هو معنى يعم جميع الوصل والالتحامات والمودات وذات ذلك هي المأمور بإصلاحها أي نفسه وعينه، فحض اللّه عز وجل على إصلاح تلك الأجزاء فإذا صلحت تلك حصل إصلاح ما يعمها وهو البين الذي لهم، وقد تستعمل لفظة الذات على أنها لزيمة ما تضاف إليه وإن لم تكن عينه ونفسه، وذلك في قوله : عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [الأنفال : ٤٣] وذاتِ الشَّوْكَةِ [الأنفال : ٧] فإنها هاهنا مؤنثة قولهم : الذئب مغبوط بذي بطنه، وقول أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه إنما هو ذو بطن بنت خارجة، ويحتمل ذات البين أن تكون هذه، وقد تقال الذات أيضا بمعنى آخر وإن كان يقرب من هذا، وهو قولهم فعلت كذا ذات يوم، ومنه قول الشاعر :[البسيط].
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ذات العشاء ولا تسري أفاعيها
وذكر الطبري عن بعضهم أنه قال : ذاتَ بَيْنِكُمْ الحال التي لبينكم كما ذات العشاء الساعة التي فيها العشاء.
قال القاضي أبو محمد : ورجحه الطبري وهو قول بين الانتقاض، وقال الزجاج البين هاهنا الوصل، ومثله قوله عز وجل : لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الأنعام : ٩٤].
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا كله نظر، وقوله وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لفظ عام وسببه الأمر بالوقوف عند ما ينفذه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الغنائم، وقوله : إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي كاملي الإيمان كما تقول لرجل إن كنت رجلا فافعل كذا أي إن كنت كامل الرجولة وجواب الشرط في قوله المتقدم وَأَطِيعُوا هذا عند سيبويه، ومذهب أبي العباس أن الجواب محذوف متأخر يدل عليه المتقدم تقديره إن كنتم مؤمنين أطيعوا، ومذهبه في هذا أن لا يتقدم الجواب الشرط.
قوله عز وجل :
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢ الى ٤]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)
إِنَّمَا لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع، ويصلح مع ذلك للحصر، فإذا دخل في قصة وساعد معناها على الانحصار صح ذلك وترتب كقوله أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ [الأنبياء : ١٠٨، فصلت : ٦] وغير ذلك من الأمثلة، وإذا كانت القصة لا تتأتى للانحصار بقيت «إنما» للمبالغة والتأكيد فقط، كقوله عليه السلام «إنما الربا في النسيئة»، وكقوله «إنما الشجاع عنترة»، وأما من قال «إنما»، هي لبيان الموصوف فهي عبارة فاترة إذ بيان الموصوف يكون في مجرد الإخبار دون «إنما»، وقوله هاهنا إِنَّمَا