المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٥٠٥
وروي عن الخليل أنها بضم الراء كالتي قبلها وفي غير ذلك، وقرأ بعض الناس بكسر الراء مثلهما في غير ذلك، حكى ذلك أبو عمرو عن سيبويه، وحكاه أبو حاتم قال : كأنه أراد مرتدفين فأدغم وأتبع الحركة، ويحسن مع هذه القراءة كسر الميم ولا أحفظه قراءة، وأنشد الطبري شاهدا على أن أردف بمعنى جاء تابعا قول الشاعر [خزيمة بن مالك ] :[الوافر]
إذا الجوزاء أردفت الثّريّا ظننت بآل فاطمة الظّنونا
والثريا تطلع قبل الجوزاء وروي في الأشهر أن الملائكة قاتلت يوم بدر، واختلف في غيره من مشاهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قيل : لم تقاتل يوم بدر وإنما وقفت وحضرت وهذا ضعيف، وحكى الطبري عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال : نزل جبريل في ألف ملك على ميمنة النبي صلى اللّه عليه وسلم وفيها أبو بكر ونزل ميكائيل في ألف ملك في المسيرة وأنا فيها، وقال ابن عباس : كانا في خمسمائة خمسمائة، وقال الزجّاج : قال بعضهم : إن الملائكة خمسة آلاف، وقال بعضهم : تسعة آلاف، وفي هذا المعنى أحاديث هي مستوعبة في كتاب السير، وقوله تعالى : وَما جَعَلَهُ اللَّهُ الآية، الضمير في جَعَلَهُ عائد على الوعد.
قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي أمكن الأقوال من جهة المعنى، وقال الزجّاج : الضمير عائد على المدد، ويحتمل أن يعود على الإمداد، وهذا يحسن مع قول من يقول إن الملائكة لم تقاتل وإنما أنست بحضورها مع المسلمين.
قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي ضعيف ترده الأحاديث الواردة بقتال الملائكة وما رأى من ذلك أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم كابن مسعود وغيره، ويحتمل أن يعود على الإرداف وهو قول الطبري، وهذا أيضا يجري مجرى القول الذي قبله ويحتمل أن يعود على «الألف» وهذا أيضا كذلك، لأن البشرى بالشيء إنما هي ما لم يقع بعد، و«البشرى» مصدر من بشرت، والطمأنينة السكون والاستقرار وقوله وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ توقيف على أن الأمر كله للّه وأن تكسب المرء لا يغني إذا لم يساعده القدر وإن كان مطلوبا بالجد كما ظاهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين درعين، وهذه القصة كلها من قصة الكفار وغلبة المؤمنين لهم تليق بها من صفات اللّه عز وجل العزة والحكمة إذا تؤمل ذلك.
قوله عز وجل :
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١١ الى ١٢]
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢)
العامل في إِذْ هو العامل الذي عمل في قوله وَإِذْ يَعِدُكُمُ [الأنفال : ٧] بتقدير تكراره لأن


الصفحة التالية
Icon