المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٥١
يجيء فيحل حيث تقع عينك عليه، قال أبو علي : جنب صفة كناقة أجد، ومشية سجح، وجنب التطهر مأخوذ من الجنب، وقال ابن عباس وابن جبير وقتادة ومجاهد والضحاك : الصاحب بالجنب هو الرفيق في السفر، وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، وابن مسعود وابن أبي ليلى وإبراهيم النخعي : الصاحب بالجنب الزوجة، وقال ابن زيد : هو الرجل يعتريك ويلم بك لتنفعه، وأسند الطبري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه، وهما على راحلتين، فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غيضة فقطع قضيبين، أحدهما معوج وخرج فأعطى صاحبه القويم وحبس هو المعوج، فقال له الرجل : كنت يا رسول اللّه أحق بهذا، فقال له : يا فلان إن كل صاحب يصحب آخر فإنه مسؤول عن صحبته ولو ساعة من نهار، وقال المفسرون طرّا : ابن السبيل هو المسافر على ظهر طريقه، وسمي ابنه للزومه له كما قيل ابن ماء للطائر الملازم للماء، ومنه قول النبي عليه السلام :«لا يدخل الجنة ابن زنى» أي : ملازمه الذي يستحق بالمثابرة عليه
أن ينسب إليه، وذكر الطبري أن مجاهدا فسره بأنه المار عليك في سفره، وأن قتادة وغيره فسره بأنه الضيف.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله قول واحد، وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يريد العبيد الأرقاء، ونسب الملك إلى اليمين إذ هي في المعتاد جارحة البطش والتغلب والتملك، فأضيفت هذه المعاني وإن لم تكن بها إليها تجوزا والعبيد موصى بهم في غير ما حديث يطول ذكرها، ويغني عن ذلك اشتهارها، ومعنى لا يُحِبُّ في هذه الآية لا تظهر عليه آثار نعمه في الآخرة ولا آثار حمده في الدنيا، فهي المحبة التي هي صفة فعل أبعدها عمن صفته الخيلاء والفخر، يقال خال الرجل يخول خولا إذا تكبر وأعجب بنفسه، وأنشد الطبري :[المتقارب ]
فإن كنت سيّدنا سدتنا وإن كنت للخال فاذهب فخل
قال القاضي أبو محمد : ونفي المحبة عمن هذه صفته ضرب من التوعد، وخص هاتين الصفتين هنا إذ مقتضاهما العجب والزهو، وذلك هو الحامل على الإخلال بالأصناف الذين تقدم أمر اللّه بالإحسان إليهم، ولكل صنف نوع من الإحسان يختص به، ولا يعوق عن الإحسان إليهم إلا العجب أو البخل، فلذلك نفى اللّه محبته عن المعجبين والباخلين على أحد التأويلين حسبما نذكره الآن بعد هذا، وقال أبو رجاء الهروي : لا تجده سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا، والفخر عد المناقب تطاولا بذلك.
قوله تعالى :
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٧ الى ٣٩]
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩)