المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٥١٣
بكر وأبي عمرو وحمزة والكسائي «و إن اللّه» بكسر الهمزة على القطع، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص «و أن» بفتح الألف، فإما أن يكون في موضع رفع على خبر ابتداء محذوف، وإما في موضع نصب بإضمار فعل وما ذكره الطبري من أن التقدير لكثرتها ولأن اللّه مع المؤمنين محتمل المعنى، وفي قراءة ابن مسعود :«و لو كثرت واللّه مع المؤمنين». وهذا يقوي قراءة من كسر الألف، من «إن» وقوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية، الخطاب للمؤمنين المصدقين، جدد عليهم الأمر بطاعة اللّه والرسول ونهوا عن التولي عنه، وهذا قول الجمهور، ويكون هذا متناصرا مع قول من يقول : إن الخطاب بقوله وَإِنْ تَنْتَهُوا هو للمؤمنين، فيجيء الكلام من نمط واحد في معناه، وأما على قول من يقول إن المخاطبة ب إِنْ تَنْتَهُوا هي للكفار فيرى أن هذه الآية إنما نزلت بسبب اختلافهم في النفل ومجادلتهم في الحق وكراهيتهم خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتفاخرهم بقتل الكفار والنكاية فيهم، وقالت فرقة : الخطاب بهذه الآية إنما هو للمنافقين والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم فقط.
قال القاضي أبو محمد : وهذا وإن كان محتملا على بعد فهو ضعيف جدا لأجل أن اللّه وصف من خاطب في هذه الآية بالإيمان، والإيمان التصديق، والمنافقون لا يتصفون من التصديق بشيء، وقيل إن الخطاب لبني إسرائيل، وهذا أجنبي من الآية، وتَوَلَّوْا أصله تتولوا لأن تفعل دخلت عليه تاء المخاطب بالفعل المستقبل فحذفت الواحدة، والمحذوفة هي تاء تفعل، والباقية هي تاء العلامة، لأن الحاجة إليها هنا أمس ليبقى الفعل مستقبلا، وقوله وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ يريد دعاءه لكم بالقرآن والمواعظ والآيات، وقوله كَالَّذِينَ قالُوا يريد الكفار، فإما من قريش لقولهم سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا [الأنفال : ٨] وإما الكفار على الإطلاق الذين يقولون سمعنا القرآن وعلمنا أنه سحر أو شعر وأساطير بحسب اختلافهم، ثم أخبر اللّه عنهم خبرا نفى به أنهم سمعوا أي فهموا ووعوا، لأنه لا خلاف أنهم كانوا يسمعون التلاوة بآذانهم ولكن صدورهم مطبقة لم يشرحها اللّه عز وجل لتلقي معاني القرآن والإيمان به.
قوله عز وجل :
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)
المقصود بهذه الآية أن يبين أن هذه الصنيفة العاتية من الكفار هي شر الناس عند اللّه عز وجل، وأنها أخس المنازل لديه، وعبر ب الدَّوَابِّ ليتأكد ذمهم وليفضل عليهم الكلب العقور والخنزير ونحوهما من السبع، والخمس الفواسق وغيرها، والدَّوَابِّ كل ما دب فهو جميع الحيوان بجملته، وقوله الصُّمُّ الْبُكْمُ عبارة عما في قلوبهم وقلة انشراح صدورهم وإدراك عقولهم، فلذلك وصفهم بالصم والبكم وسلب العقل، وروي أن هذه الآية نزلت في طائفة من بني عبد الدار وظاهرها العموم فيهم وفي غيرهم ممن اتصف بهذه الأوصاف، ثم أخبر تعالى بأن عدم سمعهم وهداهم إنما هو بما علمه اللّه منهم وسبق من


الصفحة التالية
Icon