المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٥١٧
ولم تترتب الأحوال التي ذكر هذا المتأول، وإنما كان يمكن أن يخاطب العرب في هذه الآية في آخر زمن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فإن تمثل أحد بهذه الآية لحالة العرب فتمثله صحيح، وأما أن تكون حالة العرب هي سبب الآية فبعيد لما ذكرناه، وقوله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ترج بحسب البشر متعلق بقوله وَاذْكُرُوا.
قوله عز وجل :
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)
هذا خطاب لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة، وهو يجمع أنواع الخيانات كلها قليلها وكثيرها، قال الزهراوي : والمعنى لا تخونوا بغلول الغنائم، وقال الزهراوي وعبد اللّه بن أبي قتادة : سبب نزولها أمر أبي حبابة، وذلك أنه أشار لبني قريظة حين سفر إليهم إلى حلقه يريد بذلك إعلامهم أنه ليس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا الذبح، أي فلا تنزلوا، ثم ندم وربط نفسه بسارية من سواري المسجد حتى تاب اللّه عليه، الحديث المشهور، وحكى الطبري أنه أقام سبعة أيام لا يذوق شيئا حتى تيب عليه، وحكي أنه كان لأبي لبابة عندهم مال وأولاد فلذلك نزلت وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
وقال عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد اللّه : سببها أن رجلا من المنافقين كتب إلى أبي سفيان بن حرب بخبر من أخبار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت الآية، فقوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا معناه أظهروا الإيمان، ويحتمل أن يخاطب المؤمنين حقا أن لا يفعلوا فعل ذلك المنافق، وحكى الطبري عن المغيرة بن شعبة أنه قال : أنزلت هذه الآية في قتل عثمان رضي اللّه عنه.
قال القاضي أبو محمد : يشبه أن تمثل بالآية في قتل عثمان رحمه اللّه، فقد كانت خيانة للّه وللرسول والأمانات، والخيانة التنقص للشيء باختفاء وهي مستعملة في أن يفعل الإنسان خلاف ما ينبغي من حفظ أمر ما، مالا كان أو سرّا أو غير ذلك، والخيانة للّه تعالى هي في تنقص أوامره في سر. وخيانة الرسول تنقص ما استحفظ، وخيانات الأمانات هي تنقصها وإسقاطها، والأمانة حال للإنسان يؤمن بها على ما استحفظ، فقد اؤتمن على دينه وعبادته وحقوق الغير، وقيل المعنى وتخونوا ذوي أماناتكم، وأظن الفارسي أبا علي حكاه، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يريد أن ذلك لا يضر منه إلا ما كان عن تعمد، وقوله فِتْنَةٌ
يريد محنة واختبارا وابتلاء ليرى كيف العمل في جميع ذلك، وقوله وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
يريد فوز الآخرة فلا تدعوا حظكم منه للحيطة على أموالكم وأبنائكم فإن المدخور للآخرة أعظم قدرا من مكاسب الدنيا.
وقوله تعالى : وَتَخُونُوا قال الطبري : يحتمل أن يكون داخلا في النهي كأنه قال : لا تخونوا اللّه