المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٥٣٣
وقال القتبي : الركب العشرة ونحوها، وهذا غير جيد لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم، قد قال «و الثلاثة ركب» الحديث وقوله أَسْفَلَ في موضع خفض تقديره في مكان أسفل كذا قال سيبويه، قال أبو حاتم : نصب «أسفل» على الظرف ويجوز «الركب أسفل» على معنى وموضع الركب أسفل أو الركب مستقرا أسفل.
قال القاضي أبو محمد : وكان الركب ومدبر أمره أبو سفيان بن حرب قد نكب عن بدر حين نذر بالنبي صلى اللّه عليه وسلم، وأخذ سيف البحر فهو أسفل بالإضافة إلى أعلى الوادي من حيث يأتي، وقال مجاهد في كتاب الطبري : أقبل أبو سفيان وأصحابه من الشام تجارا لم يشعروا بأصحاب بدر ولم يشعر أصحاب محمد بكفار قريش ولا كفار قريش بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه حتى التقوا على ماء بدر من يسقي لهم كلهم، فاقتتلوا فغلبهم أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم فأسروهم.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا تعقب، وكان من هذه الفرق شعور يبين من الوقوف على القصة بكمالها، وقوله وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ قال الطبري وغيره : لو تواعدتم على الاجتماع ثم علمتم كثرتهم وقلتكم لخالفتم ولم تجتمعوا معهم، وقال المهدوي : المعنى أي لاختلفتم بالقواطع والعوارض القاطعة بين الناس.
قال القاضي أبو محمد : وهذا نيل واضح، وإيضاحه أن المقصد من الآية نعمة اللّه وقدرته في قصة بدر وتيسيره ما يسر من ذلك، فالمعنى إذ هيأ اللّه لكم هذه الجمال ولو تواعدتم لها لاختلفتم إلا مع تيسير الذي تمم ذلك، وهذا كما تقول لصاحبك في أمر سناه اللّه دون تعب كثير : ولو بنينا على هذا وسعينا فيه لم يتم هكذا، ثم بين تعالى أن ذلك إنما كان بلطف اللّه عز وجل لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً أي لينفذ ويظهر أمرا قد قدره في الأول مَفْعُولًا لكم بشرط وجودكم في وقت وجودكم، وذلك كله معدوم عنده، وقوله تعالى :
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ الآية، قال الطبري : المعنى ليقتل من قتل من كفار قريش وغيرهم ببيان من اللّه وإعذار بالرسالة، وَيَحْيى أيضا ويعيش من عاش عن بيان منه أيضا وإعذار لا حجة لأحد عليه، فالهلاك والحياة على هذا التأويل حقيقتان، وقال ابن إسحاق وغيره : معنى لِيَهْلِكَ أي ليكفر، وَيَحْيى أي ليؤمن، فالحياة والهلاك على هذا مستعارتان، والمعنى أن اللّه تعالى جعل قصة بدر عبرة وآية ليؤمن من آمن عن وضوح وبيان ويكفر أيضا من كفر عن مثل ذلك، وقرأ الناس «ليهلك» بكسر اللام الثانية وقرأ الأعمش «ليهلك» بفتح اللام، ورواها عصمة عن أبي بكر عن عاصم، و«البينة» صفة أي عن قضية بينة، واللام الأولى في قوله لِيَهْلِكَ رد على اللام في قوله لِيَقْضِيَ.
وقرأ ابن كثير في رواية قنبل وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص «من حيّ» بياء واحدة مشددة، وقرأ نافع وابن كثير في رواية البزي وعاصم في رواية أبي بكر «من حيي» بإظهار الياءين وكسر الأولى وفتح الثانية، قال من قرأ «حيّ» فلأن الياء قد لزمتها الحركة فصار الفعل بلزوم الحركة لها مشبها بالصحيح مثل عض وشم ونحوه، ألا ترى أن حذف الياء من جوار في الجر والرفع لا يطرد في حال النصب إذا قلت رأيت جواري لمشابهتها بالحركة سائر الحروف الصحاح، ومنه قوله كَلَّا إِذا بَلَغَتِ