المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٥٥٣
أخذتم فداء الأسرى ويقتل منكم في الحرب سبعون على عددهم، وإن شئتم قتلوا وسلمتم، فقالوا نأخذ المال ويستشهد منا سبعون، وذكر عبد بن حميد بسنده أن جبريل نزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم بتخيير الناس هكذا.
قال القاضي أبو محمد : وعلى الروايتين فالأمر في هذا التخيير من عند اللّه فإنه إعلام بغيب، وإذا خيروا فكيف يقع التوبيخ بعد بقوله تعالى : لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ والذي أقول في هذا إن العتب لأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم بقوله ما كانَ لِنَبِيٍّ إلى قوله عَظِيمٌ إنما هو على استبقاء الرجال وقت الهزيمة رغبة في أخذ المال منهم وجميع العتب إذا نظر فإنما هو للناس، وهناك كان عمر يقتل ويحض على القتل ولا يرى الاستبقاء، وحينئذ قال سعد بن معاذ : الإثخان أحب إليّ من استبقاء الرجال، وبذلك جعلهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ناجيين من عذاب أن لو نزل، ومما يدل على حرص بعضهم على المال قول المقداد حين أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط : أسيري يا رسول اللّه، وقول مصعب أين عمير للذي يأسر أخاه شد يدك عليه فإن له أما موسرة إلى غير ذلك من قصصهم، فلما تحصل الأسرى وسيقوا إلى المدينة وأنفذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم القتل في النضر وعقبة والمنّ في أبي عزة وغيره، وجعل يرتئي في سائرهم نزل التخيير من اللّه تعالى فاستشار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حينئذ، فمر عمر رضي اللّه عنه على أول رأيه في القتل، ورأى أبو بكر رضي اللّه عنه المصلحة في قوة المسلمين بمال الفداء، ومال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى رأي أبي بكر، وكلا الرأيين اجتهاد بعد تخيير، فلم ينزل على شيء من هذا عتب، وذكر المفسرون أن الآية نزلت بسبب هذه المشورة والآراء، وذلك معترض بما ذكرته، وكذلك ذكروا في هذه الآيات تحليل المغانم لهذه الأمة ولا أقول ذلك، لأن حكم اللّه
تعالى بتحليل المغنم لهذه الأمة قد كان تقدم قبل بدر وذلك في السرية التي قتل فيها عمرو بن الحضرمي وإنما المبتدع في بدر استبقاء الرجال لأجل المال، والذي منّ اللّه به فيها إلحاق فدية الكافر بالمغانم التي قد تقدم تحليلها، ووجه ما قال المفسرون أن الناس خيروا في أمرين، أحدهما غير جيد على جهة الاختبار لهم، فاختاروا المفضول فوقع العتب، ولم يكن تخييرا في مستويين، وهذا كما أتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلة الإسراء بإناءين فاختار الفاضل، وعَزِيزٌ حَكِيمٌ صفتان من قبل الآية لأن بالعزة والحكمة يتم مراده على الكمال والتوفية، وقال أبو عمرو بن العلاء : الأسرى هم غير الموثقين عند ما يؤخذون، والأسارى هم الموثقون ربطا.
قال القاضي أبو محمد : وحكى أبو حاتم أنه سمع هذا من العرب، وقد ذكره أيضا أبو الحسن الأخفش، وقال : العرب لا تعرف هذا وكلاهما عندهم سواء، وقوله تعالى : لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ الآية، قالت فرقة : الكتاب السابق هو القرآن، والمعنى لو لا الكتاب الذي سبق فآمنتم به وصدقتم لمسكم العذاب لأخذكم هذه المفاداة، وقال سعيد بن جبير ومجاهد والحسن أيضا وابن زيد : الكتاب السابق هو مغفرة اللّه لأهل بدر ما تقدم من ذنوبهم أو تأخر، وقال الحسن وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم : الكتاب هو ما كان اللّه قضاه في الأزل من إحلال الغنائم والفداء لمحمد صلى اللّه عليه وسلم وأمته وكانت في سائر الأمم محرمة، وقالت فرقة : الكتاب السابق هو عفو اللّه عنهم في هذا الذنب معينا، وقالت فرقة : الكتاب هو


الصفحة التالية
Icon