المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١٠٥
ذلك بتمامه وقطع عمله، وقرأ ابن أبي عبلة «حقّ» بالرفع فهو ابتداء وخبره «أنه» وقوله يَبْدَؤُا الْخَلْقَ يريد النشأة الأولى، والإعادة هي البعث من القبور، وقرأ طلحة «يبدىء الخلق» بضم الياء وكسر الدال، وقوله لِيَجْزِيَ هي لام كي والمعنى أن الإعادة إنما هي ليقع الجزاء على الأعمال، وقوله بِالْقِسْطِ أي بالعدل في رحمتهم وحسن جزائهم، وقوله وَالَّذِينَ كَفَرُوا ابتداء و«الحميم» الحار المسخن وهو فعيل بمعنى مفعول ومنه الحمام والحمة ومنه قول المرقش :
في كل يوم لها مقطرة وكباء معدة وحميم
وحميم النار فيما ذكر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أدناه الكافر من فيه تساقطت فروة رأسه، وهو كما وصفه تعالى يَشْوِي الْوُجُوهَ [الكهف : ٢٩].
قوله عز وجل :
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥ الى ٦]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦)
هذا استمرار على وصف آيات اللّه والتنبيه عل صنعته الدالة على الصانع، وهذه الآية تقتضي أن «الضياء» أعظم من «النور» وأبهى بحسب الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، ويلحق هاهنا اعتراض وهو أنّا وجدنا اللّه تعالى شبه هداه ولطفه بخلقه بالنور فقال اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النور : ٣٥]، وهذا يقتضي أن النور أعظم هذه الأشياء وأبلغها في الشروق وإلا فلم ترك التشبيه إلا على الذي هو «الضياء» وعدل إلى الأقل الذي هو «النور»، فالجواب عن هذا والانفصال : أن تقول إن لفظة النور أحكم وأبلغ في قوله اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النور : ٣٥]، وذلك أنه تعالى شبه هداه ولطفه الذي نصبه لقوم يهتدون وآخرين يضلون معه بالنور الذي هو أبدا موجود في الليل وأثناء الظلام، ولو شبهه بالضياء لوجب أن لا يضل أحد إذ كان الهدى يكون مثل الشمس التي لا تبقى معها ظلمة، فمعنى الآية أن اللّه تعالى قد جعل هداه في الكفر كالنور في الظلام فيهتدي قوم ويضل آخرون، ولو جعله كالضياء لوجب أن لا يضل أحد وبقي الضياء على هذا الانفصال أبلغ في الشروق كما اقتضت آيتنا هذه واللّه عز وجل هو ضياء السماوات والأرض ونورها وقيومها، ويحتمل أن يعترض هذا الانفصال واللّه المستعان، وقوله وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ يريد البروج المذكورة في غير هذه الآية، وأما الضمير الذي رده على الْقَمَرَ وقد تقدم ذكر الشَّمْسَ معه فيحتمل أن يريد بالضمير «القمر» وحده لأنه هو المراعى في معرفة عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ عند العرب ويحتمل أن يريدهما معا بحسب أنهما يتصرفان في معرفة عدد السنين والحساب عند العرب. لكنه اجتزأ بذكر الواحد كما قال وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة : ٦٢] وكما قال الشاعر [أبو حيان ] :[الطويل ]
رماني بذنب كنت منه ووالدي بريّا ومن أجل الطويّ رماني


الصفحة التالية
Icon