المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١١١
«لبت» بإدغام الثاء في التاء، وقوله فَمَنْ أَظْلَمُ الآية، جاء في هذه الآية التوقيف على عظم جرم المفتري على اللّه بعد تقدم التنصل من ذلك قيل، فاتسق القول واطردت فصاحته، وقوله فَمَنْ أَظْلَمُ استفهام وتقرير أي لا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً، أو ممن كَذَّبَ بِآياتِهِ بعد بيانها، وذلك أعظم جرم على اللّه وأكثر استشراف إلى عذابه، ثم قرر إِنَّهُ لا يُفْلِحُ أهل الجرم، ويُفْلِحُ معناه يظفر ببغيته، وقوله وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ الآية، الضمير في يَعْبُدُونَ عائد على الكفار من قريش الذين تقدّمت محاورتهم، وما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ هي الأصنام، وقولهم هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا هو مذهب النبلاء منهم، فأمر اللّه تعالى نبيه عليه السلام أن يقررهم ويوبخهم أهم يعلمون اللّه بأنباء من السماوات والأرض لا يعلمها هو؟ وذكر السَّماواتِ لأن من العرب من يعبد الملائكة والشعرى، وبحسب هذا حسن أن يقول : هؤُلاءِ، وقيل ذلك على تجوز في الأصنام التي لا تعقل، وفي التوقيف على هذا أعظم غلبة لهم، ولا يمكنهم ألا أن يقولوا : لا نفعل ولا نقدر، وذلك لهم لازم من قولهم :
هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا، وسُبْحانَهُ استئناف تنزيه للّه عز وجل، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر هنا :«عما يشركون» بالياء على الغيبة، وفي حرفين في النحل وحرف في الروم وحرف في النمل، وذكر أبو حاتم أنه قرأها كذلك نافع والحسن والأعرج وابن القعقاع وشيبة وحميد وطلحة والأعمش، وقرأ ابن كثير ونافع هنا وفي النمل فقط «تشركون» بالتاء على مخاطبة الحاضر، وقرأ حمزة والكسائي الخمسة الأحرف بالتاء وهي قراءة أبي عبد الرحمن.
قوله عز وجل :
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٩ الى ٢١]
وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١)
قالت فرقة : المراد آدم كان أمة واحدة ثم اختلف الناس بعد في أمر ابنيه وقالت فرقة : المراد نسم بنيه إذ استخرجهم اللّه من ظهره وأشهدهم على أنفسهم، وقالت فرقة : المراد آدم وبنوه من لدن نزوله إلى قتل أحد ابنيه الآخر، وقالت فرقة : المراد وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً في الضلالة والجهل باللّه فاختلفوا فرقا في ذلك بحسب الجهالة، ويحتمل أن يكون المعنى كان الناس صنفا واحدا معدا للاهتداء، واستيفاء القول في هذا متقدم في سورة البقرة في قوله كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [البقرة : ٢١٣]. وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو جعفر ونافع وشيبة وأبو عمرو «لقضي بينهم» بضم القاف وكسر الضاد، وقرأ عيسى بن عمر «لقضى» بفتحهما على الفعل الماضي، وقوله وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يريد قضاءه وتقديره لبني آدم بالآجال الموقتة، ويحتمل أن يريد «الكلمة» في أمر القيامة وأن العقاب والثواب إنما كان حينئذ، وقوله تعالى : وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ الآية، يريدون بقولهم آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ آية، تضطر الناس


الصفحة التالية
Icon