المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١١٤
قال القاضي أبو محمد : وقالوا : الباغي مصروع، قال اللّه تعالى : ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ [الحج : ٦٠] وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«ما من ذنب أسرع عقوبة من بغي». وقرأت فرقة «فننبئكم» على ضمير المعظم المتكلم وقرأت فرقة :«فينبئكم»، على ضمير الغائب، والمراد اللّه عز وجل.
قوله عز وجل :
[سورة يونس (١٠) : آية ٢٤]
إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)
المعنى : إِنَّما مَثَلُ تفاخر الحياة الدنيا وزينتها بالمال والبنين إذ يصير ذلك إلى الفناء كمطر نزل من السماء فَاخْتَلَطَ، ووقف هنا بعض القراء على معنى، فاختلط الماء بالأرض ثم استأنف به نَباتُ الْأَرْضِ على الابتداء والخبر المقدم، ويحتمل على هذا أن يعود الضمير في بِهِ على «الماء» أو على «الاختلاط» الذي يتضمنه القول. ووصلت فرقة فرفع «النبات» على ذلك بقوله اختلط أي اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء، وقوله مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ، يريد الزروع والأشجار ونحو ذلك، وقوله وَالْأَنْعامُ يريد سائر العشب المرعي، وأَخَذَتِ الْأَرْضُ، لفظة كثرت في مثل هذا كقوله خُذُوا زِينَتَكُمْ [الأعراف : ٣١] و«الزخرف» التزين بالألوان، وقد يجيء الزخرف بمعنى الذهب إذ الذهب منه، وقرأ مروان بن الحكم وأبو جعفر والسبعة وشيبة ومجاهد والجمهور : وَازَّيَّنَتْ أصله : تزينت سكنت التاء لتدغم فاحتيج إلى ألف الوصل وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبيّ بن كعب «و تزينت» وهذه أصل قراءة الجمهور. وقرأ الحسن وأبو العالية والشعبي وقتادة ونصر بن عاصم وعيسى «و أزينت» على معنى حضرت زينتها كما تقول أحصد الزرع، «و أزينت» على مثال أفعلت وقال عوف بن أبي جميلة : كان أشياخنا يقرؤونها «و ازيانت» النون شديدة والألف ساكنة قبلها، وهي قراءة أبي عثمان النهدي، وقرأت فرقة «و ازيأنت»، وهي لغة منها قول الشاعر [ابن كثير] :[الطويل ] إذا ما الهوادي بالغبيط احمأرّت وقرأت فرقة «و ازاينت» والمعنى في هذا كله ظهرت زينتها، وقوله وَظَنَّ أَهْلُها على بابها.
والضمير في عَلَيْها عائد على الْأَرْضِ، والمراد ما فيها من نعمة ونبات، وهذا الكلام فيه تشبيه جملة أمر الحياة الدنيا بهذه الجملة الموصوفة أحوالها، وحَتَّى غاية وهي حرف ابتداء لدخولها على إِذا ومعناها متصل إلى قوله قادِرُونَ عَلَيْها، ومن بعد ذلك بدأ الجواب، والأمر الآتي واحد الأمور كالريح والصر والسموم ونحو ذلك، وتقسيمه لَيْلًا أَوْ نَهاراً تنبيه على الخوف وارتفاع الأمن في كل وقت، وحَصِيداً : فعيل بمعنى مفعول وعبر ب «حصيد» عن التالف الهالك من النبات وإن لم يهلك بحصاد إذ الحكم فيهما واحد وكأن الآفة حصدته قبل أوانه، وقوله كَأَنْ لَمْ تَغْنَ أي كأن لم تنعم ولم تنضر ولم تغر