المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١٢٢
أبدا، وقالت فرقة : معناه من هؤلاء القوم من هو مؤمن بهذا الرسول إلا أنه يكتم إيمانه وعلمه بأن نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم وإعجاز القرآن حق، حفظا لرياسته أو خوفا من قومه، كالفتية الذين خرجوا إلى بدر مع الكفار فقتلوا فنزل فيهم إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ [النساء : ٩٧] وكالعباس ونحو هذا، ومنهم من ليس بمؤمن.
قال القاضي أبو محمد : وفائدة الآية على هذا التأويل التفرق لكلمة الكفار، وإضعاف نفوسهم، وأن يكون بعضهم على وجل من بعض، وفي قوله وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ، تهديد ووعيد، وقوله وَإِنْ كَذَّبُوكَ، آية مناجزة لهم ومتاركة وفي ضمنها وعيد وتهديد، وهذه الآية نحو قوله قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون : ١] إلى آخر السورة، وقال كثير من المفسرين منهم ابن زيد : هذه الآية منسوخة بالقتال لأن هذه مكية، وهذا صحيح، وقوله تعالى : وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ، جمع يَسْتَمِعُونَ على معنى مَنْ لا على لفظها، ومعنى الآية : ومن هؤلاء الكفار من يستمع إلى ما يأتي به من القرآن بإذنه ولكنه حين لا يؤمن ولا يحصل فكأنه لا يسمع، ثم قال على وجه التسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم : أفأنت يا محمد تريد أن تسمع الصم. أي لا تكترث بذلك، وقوله وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ معناه : ولو كانوا من أشد حالات الأصم، لأن الأصم الذي لا يسمع شيئا بحال، فذلك لا يكون في الأغلب إلا مع فساد العقل والدماغ فلا سبيل أن يعقل حجة ولا دليلا أبدا، وَلَوْ هذه بمعنى «إن»، وهذا توقيف للنبي صلى اللّه عليه وسلم أي ألزم نفسك هذا، وقوله وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ الآية، هي نحو الأولى في المعنى، وجاء يَنْظُرُ على لفظ مَنْ، وإذا جاء الفعل على لفظها فجائز أن يعطف عليه آخر على المعنى، وإذا جاء أولا على معناها فلا يجوز أن يعطف آخر على اللفظ، لأن الكلام يلبس حينئذ، وهذه الآية نحو الأولى في المعنى كأنه قال :
ومنهم من ينظر إليك ببصره لكنه لا يعتبر ولا ينظر ببصيرته، فهو لذلك كالأعمى فهون ذلك عليك، أفتريد أن تهدي العمي، والهداية أجمع إنما هي بيد اللّه عز وجل.
قوله عز وجل :
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦)
قرأت فرقة :«و لكن الناس» بتخفيف «لكن» ورفع «الناس»، وقرأت فرقة «و لكنّ» بتشديد «لكنّ» ونصب «الناس»، وظلم الناس لأنفسهم إنما هو بالتكسب منهم الذي يقارن اختراع اللّه تعالى لأفعالهم، وعرف «لكن» إذا كان قبلها واو أن تثقل وإذا عريت من الواو أن تخفف، وقد ينخرم هذا، وقال الكوفيون :
قد يدخل اللام في خبر «لكن» المشددة على حد دخولها في «أن» ومنع ذلك البصريون، وقوله تعالى :
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ الآية، وعيد بالحشر وخزيهم فيه وتعاونهم في التلاوم بعضهم لبعض، ويَوْمَ ظرف ونصبه يصح بفعل مضمر تقديره واذكر يوم، ويصح أن ينتصب بالفعل الذي يتضمنه قوله كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا