المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١٢٨
يخفى حتى قالوا للبعيد عازب، ومنه قول الشاعر [ابن مقبل ] :[الطويل ]
عوازب لم تسمع نبوح مقامه ولم تر نارا تم حول محرم
وقيل للغائب عن أهله : عازب، حتى قالوه لمن لا زوجة له، وفي السير أن بيت سعد بن خيثمة كان يقال : بيت العزاب، وقرأ جمهور السبعة والناس «يعزب» يضم الزاي، وقرأ الكسائي وحده منهم :«يعزب» بكسرها وهي قراءة ابن وثاب والأعمش وطلحة بن مصرف، قال أبو حاتم : القراءة بالضم، والكسر لغة، و«المثقال» : الوزن، وهو اسم، لا صفة كمعطار ومضراب، والذر : صغار النمل، جعلها اللّه مثالا إذ لا يعرف في الحيوان المتغذي المتناسل المشهور النوع والموضع أصغر منه، وقرأ جمهور الناس وأكثر السبعة :«و لا أصغر ولا أكبر» بفتح الراء عطفا على ذَرَّةٍ في موضع خفض لكن منع من ظهوره امتناع الصرف، وقرأ حمزة وحده :«و لا أصغر ولا أكبر» عطفا على موضع قوله مِثْقالِ، لأن التقدير وما يعزب عن ربك مثقال ذرة، و«الكتاب المبين» : اللوح المحفوظ، كذا قال بعض المفسرين، ويحتمل أن يريد تحصيل الكتبة، ويكون القصد ذكر الأعمال المذكورة قبل، وتقديم «الأصغر» في الترتيب جرى على قولهم :
القمرين والعمرين، ومنه قوله تعالى : لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً [الكهف : ٤٩] والقصد بذلك تنبيه، الأقل وأن الحكم المقصود إذا وقع على الأقل فأحرى أن يقع على الأعظم، وأَلا استفتاح وتنبيه، وأَوْلِياءَ اللَّهِ هم المؤمنون الذين والوه بالطاعة والعبادة، وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء اللّه، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي، وإنّما نبهنا هذا التنبيه حذرا من بعض الوصفية وبعض الملحدين في الولي، وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه إذ سئل عن أولياء اللّه؟
فقال : الذين إذا رأيتهم ذكرت اللّه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا وصف لازم للمتقين لأنهم يخشعون ويخشعون، وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أيضا أنه قال :«أولياء اللّه قوم تحابوا في اللّه واجتمعوا في ذاته لم تجمعهم قرابة ولا مال يتعاطونه وقوله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يحتمل أن يكون في الآخرة، أي لا يهتمون بهمها ولا يخافون عذابا ولا عقابا ولا يحزنون لذلك، ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا أي لا يخافون أحدا من أهل الدنيا ولا من أعراضها ولا يحزنون على ما فاتهم منها، والأول أظهر والعموم في ذلك صحيح لا يخافون في الآخرة جملة ولا في الدنيا الخوف الدنياوي الذي هو في فوت آمالها وزوال منازلها وكذلك في الحزن، وذكر الطبري عن جماعة من العلماء مثل ما في الحديث من الأولياء الذين إذا رآهم أحد ذكر اللّه، وروي فيهم حديث :«إن أولياء اللّه هم قوم يتحابون في اللّه وتجعل لهم يوم القيامة منابر من نور وتنير وجوههم، فهم في عرصة القيامة لا يخافون ولا يحزنون»، وروي عن عمر بن الخطاب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال :«إن من عباد اللّه عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من اللّه قالوا ومن هم يا رسول اللّه؟ قال :«قوم تحابوا بروح اللّه على غير أرحام ولا أموال»، الحديث، ثم قرأ أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وقوله الَّذِينَ آمَنُوا يصح أن يكون في موضع نصب على البدل من الأولياء، ويصح أن يكون في موضع رفع على الابتداء على تقديرهم الذين، وكثيرا ما يفعل ذلك بنعت ما عملت فيه «أن» إذا جاء بعد خبرها، ويصح أن يكون الَّذِينَ ابتداء وخبره في قوله هُمُ الْبُشْرى