المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١٥٦
والثاني : أن تكون مخاطبة من اللّه تعالى للمؤمنين : أي فإن لم يستجب الكفار إلى ما دعوا إليه من المعارضة فاعلموا أن ذلك من عند اللّه، وهذا على معنى دوموا على علمكم لأنهم كانوا عالمين بذلك. قال مجاهد : قوله تعالى : فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ هو لأصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم.
وقوله تعالى : بِعِلْمِ اللَّهِ يحتمل معنيين :
أحدهما : بإذنه وعلى علم منه.
والثاني : أنه أنزل بما علمه اللّه تعالى من الغيوب، فكأنه أراد المعلومات له وقوله : فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ تقرير.
وقوله تعالى : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا... الآية، قالت فرقة : ظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الكفرة : هذا قول قتادة والضحاك، وقال مجاهد : هي في الكفرة وفي أهل الرياء من المؤمنين : وإلى هذا ذهب معاوية حين حدثه سيافه شفي بن ماتع الأصبحي عن أبي هريرة بقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الرجل المتصدق والمجاهد المقتول والقائم بالقرآن ليله ونهاره وكل ذلك رياء، «إنهم أول من تسعر به النار يوم القيامة» فلما حدثه شفي بهذا الحديث، بكى معاوية وقال : صدق اللّه ورسوله : وتلا : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها... الآية، إلى قوله : وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
فأما من ذهب إلى أنها في الكفرة فمعنى قوله يُرِيدُ يقصد ويعتمد، أي هي وجهه ومقصده لا مقصد له غيرها. فالمعنى : من كان يريد بأعماله الدنيا فقط إذ لا يعتقد آخرة، فإن اللّه يجازيه على حسن أعماله - في الدنيا - بالنعم والحواس وغير ذلك : فمنهم مضيق عليه ومنهم موسع له، ثم حكم عليهم بأنهم لا يحصل لهم يوم القيامة إلا بالنار ولا تكون لهم حال سواها.
قال القاضي أبو محمد : فاستقام هذا المعنى على لفظ الآية. وهو عندي أرجح التأويلات - بحسب تقدم ذكر الكفار المناقضين في القرآن - فإنما قصد بهذه الآية أُولئِكَ.
وأما من ذهب إلى أنها في العصاة من المؤمنين فمعنى يُرِيدُ عنده يحب ويؤثر ويفضل ويقصد، وإن كان له مقصدا آخر بإيمانه فإن اللّه يجازيه على تلك الأعمال الحسان التي لم يعملها للّه بالنعم في الدنيا، ثم يأتي قوله : لَيْسَ لَهُمْ بمعنى ليس يجب لهم أو يحق لهم إلا النار، وجائز أن يتغمدهم اللّه برحمته، وهذا هو ظاهر ألفاظ ابن عباس وسعيد بن جبير.
وقال أنس بن مالك : هي في أهل الكتاب.
قال القاضي أبو محمد : ومعنى هذا أن أهل الكتاب الكفرة يدخلون في هذه الآية، لا أنها ليست في غيرهم.
وقرأ جمهور الناس :«نوف» بنون العظمة وقرأ طلحة وميمون بن مهران «يوف» بياء الغائب.
ويُبْخَسُونَ معناه : يعطون أقل من ثوابهم، وحَبِطَ معناه : يبطل وسقط ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم :«يقتل حبطا أو يلم»، وهي مستعملة في فساد الأعمال، والضمير في قوله : فِيها عائد