المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١٦١
الشريعة أنهم لا يموتون فيها أبدا فالعذاب - إذن - متماد أبدا.
وقدم السَّمْعَ في هذه الآية على «البصر» لأن حاسته أشرف من حاسة البصر، إذ عليه تبنى في الأطفال معرفة دلالات الأسماء، وإذ هو كاف في أكثر المعقولات دون البصر إلى غير ذلك.
قوله عز وجل :
[سورة هود (١١) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤)
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
بوجوب العذاب عليهم، ولا خسران أعظم من خسران النفس، وضَلَ
معناه :
تلف ولم يجدوه حيث أملوه. ولا جَرَمَ لفظة مركبة من : لا، ومن : جَرَمَ بنيتا.
ومعنى لا جَرَمَ : حق. هذا مذهب سيبويه والخليل. وقال بعض النحويين :
معناها : لا بد ولا شك ولا محالة وقد روي هذا عن الخليل. وقال الزجاج : لا رد عليهم، ولما تقدم من كل ما قبلها، وجَرَمَ معناه : كسب، أي كسب فعلهم أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ. فموضع «أن» على مذهب سيبويه رفع : وموضعها على مذهب الزجاج - نصب. وقال الكسائي معناها لا صد ولا منع.
قال القاضي أبو محمد : فكأن جَرَمَ على هذا من معنى القطع، تقول : جرمت أي قطعت : وهي على منزع الزجاج من الكسب ومنه قول الشاعر :[الطويل ]
جريمتنا هض في رأس نيق ترى لعظام ما جمعت صليبا
وجريمة القوم كاسبهم.
وأما قول الشاعر جرير :
ولقد طعنت أبا أميمة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
فيحتمل الوجهين : ويختلف معنى البيت.
وفي لا جَرَمَ لغات : يقول بعض العرب : لا ذا جرم، وبعضهم : لا أن ذا جرم، وبعضهم : لا عن ذا جرم، وبعضهم : لا جر، حذفوا الميم لكثرة استعماله.
وأَخْبَتُوا قيل معناه : خشعوا، قاله قتادة، وقيل : أنابوا، قاله ابن عباس، وقيل : اطمأنوا، قاله مجاهد، وقيل : خافوا، قاله ابن عباس أيضا، وهذه الأقوال بعضها قريب من بعض، وأصل اللفظ من الخبت، وهو البراح القفر المستوي من الأرض فكأن المخبت في القفر قد انكشف واستسلم وبقي ذا منعة، فشبه المتذلل الخاشع بذلك، وقيل : إنما اشتق منه لاستوائه وطمأنينته.