المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١٧١
فيه، وقال النقاش : اسم المستوقد التنور بكل لغة وذكر نحو ذلك ابن قتيبة في الأدب عن ابن عباس.
قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد، وقيل : إن موضع تنور نوح عليه السّلام كان بالهند، وقيل : كان في موضع مسجد الكوفة، وقيل كان في ناحية الكوفة، قاله الشعبي ومجاهد، وقيل كان في الجهة الغربية من قبلة المسجد بالكوفة، وقال ابن عباس وعكرمة : التنور وجه الأرض، ويقال له : تنور الأرض، وقال قتادة : التَّنُّورُ : أعالي الأرض، وقالت فرقة : التَّنُّورُ : عين بناحية الجزيرة، وقال الحسن بن أبي الحسن : التَّنُّورُ مجتمع ماء السفينة فار منه الماء وهي بعد في اليبس، وقالت فرقة : التَّنُّورُ هو الفجر، المعنى : إذا طلع الفجر فاركب في السفينة، وهذا قول روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، إلا أن التصريف يضعفه، وكان يلزم أن يكون التنور، وقالت فرقة : الكلام مجاز وإنما أراد غلبة الماء وظهور العذاب كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لشدة الحرب :«حمي الوطيس» والوطيس أيضا مستوقد النار، فلا فرق بين حمي وفارَ إذ يستعملان في النار، قال اللّه تعالى : سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ [الملك : ٧]، فلا فرق بين الوطيس والتنور.
وقرأ حفص عن عاصم «من كلّ زوجين اثنين» بتنوين كُلٍّ وقرأ الباقون «من كلّ زوجين» بإضافة كُلٍّ إلى زَوْجَيْنِ. فمن قرأ بالتنوين حذف المضاف إليه التقدير : من كل حيوان أو نحوه، وأعمل «الحمل» في زَوْجَيْنِ، وجاء قوله : اثْنَيْنِ تأكيدا - كما قال : إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ [النحل : ٥١]. ومن قرأ بالإضافة فأعمل «الحمل» في قوله اثْنَيْنِ، وجاء قوله زَوْجَيْنِ بمعنى العموم، أي من كل ما له ازدواج، هذا معنى قوله : مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ قاله أبو علي وغيره، ولو قدرنا المعنى : احمل من كل زوجين حاصلين اثنين لوجب أن يحمل من كل نوع أربعة، والزوج يقال في مشهور كلام العرب للواحد مما له ازدواج، فيقال : هذا زوج هذا، وهما زوجان : وهذا هو المهيع في القرآن في قوله تعالى : ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الأنعام : ١٤٣، الزمر : ٦] ثم فسرها، وكذلك هو في قوله تعالى : وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى [النجم : ٤٥]. قال أبو الحسن الأخفش في كتاب الحجة : وقد يقال في كلام العرب للاثنين زوج، ومن ذلك قول لبيد :[الكامل ]
من كل محفوف يظل عصيه زوج عليه كلة وقرامها
وهكذا يأخذ العدديون : الزوج أيضا في كلام العرب النوع كقوله : وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق : ٧] وقوله : سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها [يس : ٣٦] إلى غير ذلك.
وروي في قصص هذه الآية أن نوحا عليه السّلام كان يأتيه الحيوان، فيضع يمينه على الذكر ويساره على الأنثى. وروي أن أول ما ادخل في السفينة الذر، وآخر ما أدخل الحمار، فتمسك الشيطان بذنبه، فزجره نوح عليه السّلام فلم ينبعث فقال له : ادخل ولو كان معك الشيطان، قال ابن عباس : زلت هذه الكلمة من لسانه فدخل الشيطان حينئذ، وكان في كوثل السفينة، أي عند مؤخرها، وقيل كان على ظهرها.
وروي أن نوحا عليه السّلام آذاه نتن الزبل والعذرة، فأوحى اللّه إليه : أن امسح على ذنب الفيل، ففعل، فخرج من الفيل - وقيل من أنفه - خنزير وخنزيرة، فكفيا نوحا وأهله ذلك الأذى وهذا يجيء منه أن نوع


الصفحة التالية
Icon