المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١٧٣
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم - في رواية أبي بكر وابن عامر :«مجراها ومرساها» بضم الميمين على معنى إجرائها وإرسائهما، وهي قراءة مجاهد وأبي رجاء والحسن والأعرج وشيبة وجمهور الناس، ومن ذلك قول لبيد :[الكامل ]
وعمرت حرسا قبل مجرا داحس لو كان للنفس اللجوج خلود
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم :«مجراها» بفتح الميم وكسر الراء، وكلهم ضم الميم من «مرساها» وقرأ الأعمش وابن مسعود «مجراها ومرساها» بفتح الميمين، وذلك من الجري والرسو وهذه ظرفية مكان، ومن ذلك قول عنترة :[الكامل ]
فصبرت نفسا عند ذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع
واختار الطبري قراءة «مجراها» بفتح الميم الأولى وضم الثانية، ورجحها بقوله تعالى : وَهِيَ تَجْرِي، ولم يقرأ أحد، «تجري» وهي قراءة ابن مسعود أيضا رواها عنه أبو وائل ومسروق. وقرأ ابن وثاب وأبو رجاء العطاري والنخعي والجحدري والكلبي والضحاك بن مزاحم ومسلم بن جندب وأهل الشام :
«مجريها ومرسيها» وهما على هذه القراءة صفتان للّه تعالى عائدتان على ذكره في قوله بِسْمِ اللَّهِ.
وقوله إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ تنبيه لهم على قدر نعم اللّه عليهم ورحمته لهم وستره عليهم وغفرانه ذنوبهم بتوبتهم وإنابتهم.
وقوله تعالى : وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ الآية، روي أن السماء أمطرت بأجمعها حتى لم يكن في الهواء جانب لا مطرفيه، وتفجّرت الأرض كلها بالنبع، فهكذا كان التقاء الماء، وروي أن الماء علا على الجبال وأعلى الأرض أربعين ذراعا وقيل خمسة عشرة ذراعا وأشار الزجاج وغيره إلى أن الماء انطبق : ماء الأرض وماء السماء فصار الكل كالبحر.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف، وأين كان الموج كالجبال على هذا؟ وكيف استقامت حياة من في السفينة على هذا؟.
وقرأت فرقة :«ابنه» على إضافة الابن إلى نوح، وهذا قول من يقول : هو ابنه لصلبه، وقد قال قوم :
إنه ابن قريب له ودعاه بالنبوة حنانا منه وتلطفا، وقرأ ابن عباس «ابنه» بسكون الهاء، وهذا على لغة لأزد السراة ومنه قول الشاعر :[الطويل ] ومطواي مشتاقان له أرقان وقرأ السدي «ابناه» قال أبو الفتح : ذلك على النداء وذهبت فرقة إلى أن ذلك على جهة الندبة محكية، وقرأ عروة بن الزبير أيضا وأبو جعفر وجعفر بن محمد «ابنه» على تقدير ابنها، فحذف الألف تخفيفا وهي لغة ومنها قول الشاعر :[البسيط]
أما تقود به شاة فتأكلها أو أن تبيعه في نقض الأزاكيب


الصفحة التالية
Icon