المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١٩٠
عنده : وأمس بعمرو، وإذا لم يعد ففيه كبير قبيح، والوجه في نصبه أن ينتصب بفعل مضمر، تدل عليه البشارة وتقديره : ومن وراء إسحاق وهبنا يعقوب، وهذا رجح أبو علي.
قال القاضي أبو محمد : وروي أن سارة كانت في وقت هذه البشارة بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم ابن مائة سنة.
وهذه الآية تدل على أن الذبيح هو إسماعيل وأنه أسن من إسحاق وذلك أن سارة كانت في وقت إخدام الملك الجائر هاجر أم إسماعيل امرأة شابة جميلة حسبما في الحديث، فاتخذها إبراهيم عليه السّلام أم ولد، فغارت بها سارة، فخرج بها وبابنها إسماعيل من الشام على البراق وجاء من يومه مكة فتركهما - حسبما في السير - وانصرف إلى الشام من يومه ثم كانت البشارة بإسحاق، وسارة عجوز متجالة، وأما وجه دلالة الآية على أن إسحاق ليس بالذبيح فهو أن سارة وإبراهيم بشرا بإسحاق وأنه يولد له يعقوب، ثم أمر بالذبح حين بلغ ابنه معه السعي، فكيف يؤمر بذبح ولد قد بشر قبل أنه سيولد لابنه ذلك، وأيضا فلم يقع قط في أثر أن إسحاق دخل الحجاز وإجماع أن أمر الذبح كان بمنى، ويؤيد هذا الغرض قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«أنا ابن الذبيحين» يريد أباه عبد اللّه وأباه إسماعيل، ويؤيده ما نزع به مالك رحمه اللّه من الاحتجاج برتبة سورة الصافات فإنه بعد كمال أمر الذبيح قال : وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات : ١١٢].
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا كله موضع معارضات لقائل القول الآخر : إن الذبيح هو إسحاق، ولكن هذا الذي ذكرناه هو الأرجح واللّه أعلم.
قوله عز وجل :
[سورة هود (١١) : الآيات ٧٢ الى ٧٣]
قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣)
اختلف الناس في الألف التي في قوله : يا وَيْلَتى وأظهر ما فيها أنها بدل ياء الإضافة، أضلها : يا ويلتي، كما تقول : يا غلاما ويا غوثا وقد تردف هذه الألف بهاء في الكلام، ولم يقرأ بها، وأمال هذه الألف عاصم والأعمش وأبو عمرو.
ومعنى يا وَيْلَتى في هذا الموضع العبارة عما دهم النفس من العجب في ولادة عجوز، وأصل هذا الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة أو مكروه يهم النفس، ثم استعمل بعد في عجب يدهم النفس وقال قوم : إنما قالت : يا وَيْلَتى لما مر بفكرها من ألم الولادة وشدتها، ثم رجعت بفكرها إلى التعجب ونطقت بقولها أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ؟ الآية.
وقرأت فرقة :«أ ألد» بتحقيق الهمزتين، وقرأت فرقة بتخفيف الأولى وتحقيق الثانية، وفي النطق بهذه