المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١٩٥
الخبر، فمن حيث كان الخبر هنا في أَطْهَرُ ساغ القول بالفصل، ولما لم يستسغ ذلك أبو عمرو ولا سيبويه لحنا ابن مروان، وما كانا ليذهب عليهما ما ذكر أبو الفتح، و«الضيف» : مصدر يوصف به الواحد والجماعة والمذكر والمؤنث ثم وبخهم بقوله : أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ أي يزعكم ويردكم.
وقوله تعالى : قالُوا : لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ الآية، روي أن قوم لوط كانوا قد خطبوا بنات لوط فردهم، وكانت سنتهم أن من رد في خطبة امرأة لم تحل له أبدا، فلذلك قالوا : لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ.
قال القاضي أبو محمد : وبعد أن تكون هذه المخاطبة، فوجه الكلام : إنا ليس لنا إلى بناتك تعلق، ولا هم قصدنا ولا لنا عادة نطلبها في ذلك وقولهم : وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ، إشارة إلى الأضياف فلما رأى استمرارهم في غيهم وغلبتهم وضعفه عنهم قال - على جهة التفجع والاستكانة - لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً وأَنَّ في موضع رفع بفعل مضمر تقديره : لو اتفق أو وقع ونحو هذا، - وهذا مطرد في «أن» التابعة ل «لو» - وجواب لَوْ محذوف وحذف مثل هذا أبلغ، لأنه يدع السامعين ينتهي إلى أبعد تخيلاته، والمعنى لفعلت كذا وكذا.
وقرأ جمهور :«أو آوي» بسكون الياء، وقرأ شيبة وأبو جعفر :«أو آوي» بالنصب، التقدير أو أن آوي، فتكون «أن» مع «آوي» بتأويل المصدر، كما قالت ميسون بنت بحدل :
للبس عباءة وتقر عيني...
ويكون ترتيب الكلام لو أن لي بكم قوة أو أويا، و«أوى» معناه : لجأ وانضوى، ومراد لوط عليه السّلام بال رُكْنٍ العشيرة والمنعة بالكثرة، وبلغ به قبيح فعلهم إلى هذا - مع علمه بما عند اللّه تعالى -، فيروى أن الملائكة وجدت عليه حين قال هذه الكلمات، وقالوا : إن ركنك لشديد وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«يرحم اللّه لوطا لقد كان يأوي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، فالعجب منه لما استكان.
قال القاضي أبو محمد : وهذا نقد لأن لفظ بهذه الألفاظ، وإلا فحالة النبي صلى اللّه عليه وسلم وقت طرح سلا الجزور ومع أهل الطائف وفي غير ما موطن تقتضي مقالة لوط لكن محمدا صلى اللّه عليه وسلم لم ينطق بشيء من ذلك عزامة منه ونجدة، وإنما خشي لوط أن يمهل اللّه أولئك العصابة حتى يعصوه في الأضياف كما أمهلهم فيما قبل ذلك من معاصيهم، فتمنى ركنا من البشر يعاجلهم به، وهو يعلم أن اللّه تعالى من وراء عقابهم، وروي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال :«لم يبعث اللّه تعالى بعد لوط نبيا إلا في ثروة من قومه»
أي في منعة وعزة.
قوله عز وجل :
[سورة هود (١١) : آية ٨١]
قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١)
الضمير في قالُوا ضمير الملائكة، ويروى أن لوطا لما غلبوه وهموا بكسر الباب وهو يمسكه قالت


الصفحة التالية
Icon