المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١٩٩
ناحية الشام، وقيل مَدْيَنَ اسم رجل كانت القبيلة من ولده فسميت باسمه، ومَدْيَنَ لا ينصرف في الوجهين، حكى النقاش أن مَدْيَنَ هو ولد إبراهيم الخليل لصلبه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد وقد قيل : إن شُعَيْباً عربي، فكيف يجتمع هذا وليس للعرب اتصال بإبراهيم إلا من جهة إسماعيل فقط، ودعاء «شعيب» إلى «عبادة اللّه» يقتضي أنهم كانوا يعبدون الأوثان، وذلك بين من قولهم فيما بعد، وكفرهم هو الذي استوجبوا به العذاب لا معاصيهم، فإن اللّه لم يعذب قط أمة إلا بالكفر، فإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة، وأعني بالعذاب عذاب الاستئصال العام، وكانت معصية هذه الأمة الشنيعة أنهم كانوا تواطأوا أن يأخذوا ممن يرد عليهم من غيرهم وافيا ويعطوا ناقصا في وزنهم وكيلهم، فنهاهم شعيب بوحي اللّه تعالى عن ذلك، ويظهر من كتاب الزجاج أنهم كانوا تراضوا بينهم بأن يبخس بعضهم بعضا.
وقوله بِخَيْرٍ قال ابن عباس : معناه في رخص من الأسعار، و«عذاب اليوم المحيط» هو حلول الغلاء المهلك. وينظر هذا التأويل إلى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق وقيل لهم قوله : بِخَيْرٍ عام في جميع نعم اللّه تعالى، و«عذاب اليوم» هو الهلاك الذي حل بهم في آخر، وجميع ما قيل في لفظ «خير» منحصر فيما قلناه.
ووصف «اليوم» ب «الإحاطة» وهي من صفة العذاب على جهة التجوز إذ كان العذاب في اليوم : وقد يصح أن يوصف «اليوم» ب «الإحاطة» على تقدير : محيط شره. ونحو هذا.
وكرر عليهم الوصية في «الكيل والوزن» تأكيدا وبيانا وعظة لأن لا تَنْقُصُوا هو أَوْفُوا بعينه.
لكنهما منحيان إلى معنى واحد.
قال القاضي أبو محمد : وحدثني أبي رضي اللّه عنه، أنه سمع أبا الفضل بن الجوهري على المنبر بمصر يعظ الناس في الكيل والوزن فقال : اعتبروا في أن الإنسان إذا رفع يده بالميزان فامتدت أصابعه الثلاث والتقى الإبهام والسبابة على ناصية الميزان جاء من شكل أصابعه صورة المكتوبة فكأن الميزان يقول : اللّه اللّه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا وعظ مليح مذكر. والقسط العدل ونحوه، و«البخس» النقصان، وتَعْثَوْا معناه : تسعون في فساد، وكرر مُفْسِدِينَ على جهة التأكيد، يقال عثا يعثو أو عثى يعثي، وعث يعث، وعاث يعيث - إذا أفسد ونحوه من المعنى، والعثة : الدودة التي تفسد ثياب الصوف.
وقوله : بَقِيَّتُ اللَّهِ قال ابن عباس معناه الذي يبقي اللّه لكم من أموالكم بعد توفيتكم الكيل والوزن حير لكم مما تستكثرون أنتم به على غير وجهه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا تفسير يليق بلفظ الآية وقال مجاهد : معناه طاعة اللّه، وقال ابن عباس - أيضا - معناه رزق اللّه، وهذا كله لا يعطيه لفظ الآية، وإنما المعنى عندي - إبقاء اللّه عليكم إن أطعتم.
وقرأ إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة بتخفيف الياء وهي لغة.