المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢١٣
المقاعد وهو تأويل مالك، وقال مجاهد : الْحَسَناتِ : قول الرجل : سبحان اللّه والحمد اللّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله إنما هو على جهة المثال في الحسنات، ومن أجل أن الصلوات الخمس هي أعظم الأعمال، والذي يظهر أن لفظ الآية لفظ عام في الحسنات خاص في السيئات بقوله عليه السّلام :«ما اجتنبت الكبائر».
وروي أن هذه الآية نزلت في رجل من الأنصار، قيل : هو أبو اليسر بن عمرو، وقيل : اسمه عباد، خلا بامرأة فقبلها وتلذّذ بها فيما دون الجماع، ثم جاء إلى عمر فشكا إليه، فقال : قد ستر اللّه عليك فاستر على نفسك، فقلق الرجل فجاء أبا بكر فشكا إليه، فقال له مثل مقالة عمر، فقلق الرجل فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فصلى معه، ثم أخبره وقال : اقض فيّ ما شئت، فقال الرسول صلى اللّه عليه وسلم لعلها زوجة غاز في سبيل اللّه، قال : نعم، فوبخه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال : ما أدري، فنزلت هذه الآية، فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فتلاها عليه : فقال معاذ بن جبل : يا رسول اللّه خاصة؟
قال : بل للناس عامة. وروي أن الآية كانت نزلت قبل ذلك واستعملها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك الرجل وروي أن عمر قال ما حكي عن معاذ.
قال القاضي أبو محمد : وروي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال :«الجمعة إلى الجمعة، والصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان - كفارة لما بينها إن اجتنبت الكبائر». فاختلف أهل السنة في تأويل هذا الشرط في قوله :«إن اجتنبت الكبائر»، فقال جمهورهم : هو شرط في معنى الوعد كله، أي إن اجتنبت الكبائر كانت العبادات المذكورة كفارة للذنوب، فإن لم تجتنب لم تكفر العبادات شيئا من الصغائر. وقالت فرقة : معنى قوله إن اجتنبت : أي هي التي لا تحطها العبادات، فإنما شرط ذلك ليصح بشرطه عموم قوله : ما بينهما، وإن لم تحطها العبادات وحطت الصغائر.
قال القاضي أبو محمد : وبهذا أقول وهو الذي يقتضيه حديث خروج الخطايا مع قطر الماء وغيره وذلك كله بشرط التوبة من تلك الصغائر وعدم الإصرار عليها، وهذا نص الحذاق الأصوليين. وعلى التأويل الأول تجيء هذه مخصوصة في مجتنبي الكبائر فقط.
وقوله ذلك إشارة إلى الصلوات، ووصفها ب ذِكْرى، أي هي سبب ذكر وموضع ذكرى، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى الإخبار ب إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ، فتكون هذه الذكرى تحض على الحسنات، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى جميع ما تقدم من الأوامر والنواهي في هذه السورة، وهو تفسير الطبري.
ثم أمره تعالى بالصبر، وجاءت هذه الآيات في نمط واحد : أعلمه اللّه تعالى أنه يوفي جميع الخلائق أعمالهم المسيء والمحسن، ثم أمره بالاستقامة والمؤمنين معه، ثم أمره بإقامة الصلوات ووعد على ذلك ثم أمره بالصبر على التبليغ والمكاره في ذات اللّه تعالى، ثم وعد بقوله : فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.