المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢١٩
علينا يا رسول اللّه، فنزلت هذه الآية، ثم ملوا ملة أخرى فقالوا : لو حدثتنا يا رسول اللّه، فنزلت اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً [الزمر : ٢٣].
والْقَصَصِ : الإخبار بما جرى من الأمور، كأن الأنباء تتبع بالقول، وتقتص بالأخبار كما يقتص الآخر، وقوله : بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي بوحينا. والْقُرْآنَ نعت ل هذَا، ويجوز فيه البدل، وعطف البيان فيه ضعيف. وإِنْ هي المخففة من الثقيلة واللام في خبرها لام التأكيد - هذا مذهب البصريين - ومذهب أهل الكوفة أن إِنْ بمعنى ما، واللام بمعنى إلا. والضمير في قَبْلِهِ للقصص العام لما في جميع القرآن منه. ومن الْغافِلِينَ، أي عن معرفة هذا القصص. ومن قال : إن الضمير في قَبْلِهِ عائد على الْقُرْآنَ، جعل من الْغافِلِينَ في معنى قوله تعالى : وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [الضحى : ٧] أي على طريق غير هذا الدين الذي بعثت به، ولم يكن عليه السّلام في ضلال الكفار ولا في غفلتهم لأنه لم يشرك قط، وإنما كان مستهديا ربه عز وجل موحدا، والسائل عن الطريق المتخير يقع عليه في اللغة اسم ضال.
قوله عز وجل :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤]
إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤)
العامل في إِذْ فعل مضمر تقديره : اذكر إِذْ ويصح أن يعمل فيه نَقُصُّ [يوسف : ٣] كأن المعنى : نقص عليك الحال إِذْ وحكى مكي أن العامل فيه لَمِنَ الْغافِلِينَ [يوسف : ٣]، وهذا ضعيف.
وقرأ طلحة بن مصرف «يوسف» بالهمز وفتح السين - وفيه ست لغات :«يوسف» بضم الياء وسكون الواو وبفتح السين وبضمها وبكسرها وكذلك بالهمز. وقرأ الجمهور «يا أبت» بكسر التاء حذفت الياء من أبي وجعلت التاء بدلا منها، قاله سيبويه، وقرأ ابن عامر وحده وأبو جعفر والأعرج :«يا أبت» بفتحها، وكان ابن كثير وابن عامر يقفان بالهاء فأما قراءة ابن عامر بفتح التاء فلها وجهان : إما أن يكون :«يا أبتا»، ثم حذفت الألف تخفيفا وبقيت الفتحة دالة على الألف، وإما أن يكون جاريا مجرى قولهم : يا طلحة أقبل، رخموه ثم ردوا العلامة ولم يعتد بها بعد الترخيم، وهذا كقولهم : اجتمعت اليمامة ثم قالوا : اجتمعت أهل اليمامة، فردوا لفظة الأهل ولم يعتدوا بها، وقرأ أبو جعفر والحسن وطلحة بن سليمان :«أحد عشر كوكبا» بسكون العين لتوالي الحركات، ويظهر أن الاسمين قد جعلا واحدا.
وقيل : إنه قد رأى كواكب حقيقة والشمس والقمر فتأولها يعقوب إخوته وأبويه، وهذا قول الجمهور، وقيل : الإخوة والأب والخالة لأن أمه كانت ميتة، وقيل إنما كان رأى إخوته وأبويه فعبر عنهم بالكواكب والشمس والقمر، وهذا ضعيف ترجم به الطبري، ثم أدخل عن قتادة والضحاك وغيرهما كلاما محتملا أن يكون كما ترجم وأن يكون مثل قول الناس، وقال المفسرون : الْقَمَرَ تأويله : الأب، والشَّمْسَ تأويلها : الأم، فانتزع بعض الناس من تقديمها وجوب بر الأم وزيادته على بر الأب، وحكى الطبري عن