المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٢٨
شكى إليّ جملي طول السرى يا جملي ليس إليّ المشتكى
صبر جميل فكلانا مبتلى وإنما تصح قراءة النصب على أن تقدر يعقوب عليه السّلام رجع إلى مخاطبة نفسه أثناء مخاطبة بنيه.
وجميل الصبر ألا تقع شكوى إلى بشر، وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : من بث لم يصبر صبرا جميلا.
وقوله : وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ تسليم لأمر اللّه تعالى وتوكل عليه، والتقدير على احتمال ما تصفون.
قوله عز وجل :
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)
قيل إن «السيارة» جاءت في اليوم الثاني من طرحه في الجب، سَيَّارَةٌ : جمع سيار، كما قالوا بغال وبغالة، وهذا بعكس تمرة وتمر، وسَيَّارَةٌ : بناء مبالغة للذين يرددون السير في الطرق. وروي أن هذه «السيارة» كانوا قوما من أهل مدين، وقيل : قوم أعراب. و«الوارد» هو الذي يأتي الماء ليسقي منه لجماعة، ويروى أن مدلي الدلو كان يسمى مالك بن ذعر، ويروى أن هذا الجب كان بالأردن على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب، ويقال :«أدلى الدلو» : إذا ألقاه في البئر ليستقي الماء. ودلاه يدلوه : إذا استقاه من البئر. وفي الكلام هنا حذف تقديره : فتعلق يوسف بالحبل فلما بصر به المدلي قال : يا بشراي، وروي أن يوسف كان يومئذ ابن سبع سنين، ويرجح هذا لفظة غُلامٌ، فإنه ما بين الحولين إلى البلوغ، فإن قيلت فيما فوق ذلك فعلى استصحاب حال وتجوز وقيل : كان ابن سبع عشرة سنة - وهذا بعيد -.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «يا بشراي» بإضافة البشرى إلى المتكلم وبفتح الياء على ندائها كأنه يقول : احضري، فهذا وقتك، وهذا نحو قوله : يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ [يس : ٣٠] وروى ورش عن نافع «يا بشراي» بسكون الياء، قال أبو علي : وفيها جمع بين ساكنين على حد دابة وشابة، ووجه ذلك أنه يجوز أن تختص بها الألف لزيادة المد الذي فيها على المد الذي في أختيها، كما اختصت في القوافي بالتأسيس، واختصت في تخفيف الهمزة نحو هبأة وليس شيء من ذلك في الياء والواو.
وقرأ أبو الطفيل والجحدري وابن أبي إسحاق والحسن «يا بشريّ» تقلب الألف ياء ثم تدغم في ياء الإضافة، وهي لغة فاشية، ومن ذلك قول أبي ذؤيب :[الكامل ]
سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع