المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٣٥
المعصية، وقيل : بل كان البرهان الذي اتعظ به أن زليخا قالت له : مكانك حتى أستر هذا الصنم - لصنم كان معها في البيت - فإني أستحيي منه أن يراني على هذه الحال وقامت إليه فسترته بثوب فاتعظ يوسف وقال : من يسترني أنا من اللّه القائم على كل شيء، وإذا كنت أنت تفعلين هذا لما لا يعقل فإن أولى أن أستحيي من اللّه.
و«البرهان» في كلام العرب الشيء الذي يعطي القطع واليقين، كان مما يعلم ضرورة أم بخبر قطعي أو بقياس نظري، فهذه التي رويت فيما رآه يوسف براهين.
وأَنْ في قوله : لَوْلا أَنْ رَأى في موضع رفع، التقدير : لولا رؤيته برهان ربه، وهذه لَوْلا التي يحذف معها الخبر، تقديره : لفعل أو لارتكب المعصية. وذهب قوم إلى أن الكلام تم في قوله : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وأن جواب لَوْلا في قوله : وَهَمَّ بِها وأن المعنى : لولا أن رأى البرهان لهمّ أي فلم يهم عليه السلام، وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف. قال الزجّاج : ولو كان الكلام : ولهمّ بها لولا، لكان بعيدا، فكيف مع سقوط اللام!.
والكاف من قوله : كَذلِكَ متعلقة بمضمر تقديره : جرت أفعالنا وأقدارنا كَذلِكَ لِنَصْرِفَ، ويصح أن تكون الكاف في موضع رفع بتقدير : عصمتنا له كذلك لنصرف.
وقرأ الجمهور «لنصرف» بالنون، وقرأ الأعمش «ليصرف» بالياء - على الحكاية عن الغائب -، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحسن بن أبي الحسن وأبو رجاء «المخلصين» بكسر اللام في كل القرآن، وكذلك مُخْلَصاً [مريم : ٥١] في سورة مريم. وقرأ نافع مخلصا [الزمر : ٢ - ١١ - ١٤، مريم : ٥١] كذلك بكسر اللام، وقرأ سائر القرآن «المخلصين» بفتح اللام، وقرأ حمزة والكسائي وجمهور من القراء «المخلصين» بفتح اللام و«مخلصا» كذلك في كل القرآن.
وقوله تعالى : وَاسْتَبَقَا الْبابَ الآية، وَاسْتَبَقَا معناه سابق كل واحد منهما صاحبه إلى الباب، هي لترده إلى نفسها وهو ليهرب عنها فقبضت في أعلى قميصه من خلفه، فتخرق القميص عند طوقه، ونزل التخريق إلى أسفل القميص. و«القد» : القطع، وأكثر ما يستعمل فيما كان طولا، «و القط» يستعمل فيما كان عرضا، وكذلك هي اللفظة في قول النابغة :
تقد السلوقي فإن قوله : توقد بالصفاح يقتضي أن القطع بالطول. وأَلْفَيا : وجدا، و«السيد» الزوج، قاله زيد بن ثابت ومجاهد. فيروى أنهما وجدا العزيز ورجلا من قرابة زليخا عند الباب الذي استبقا إليه قاله السدي.
فلما رأت الفضيحة فزعت إلى مطالبة يوسف والبغي عليه، فأرت العزيز أن يوسف أرادها، وقالت : ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ وتكلمت في الجزاء، أي أن الذنب ثابت متقرر.
وهذه الآية تقتضي بعظم موقع السجن من النفوس لا سيما بذوي الأقدار، إذ قرن بأليم العذاب.


الصفحة التالية
Icon