المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٣٩
وقرأ الجمهور :«متّكا» بشد التاء المفتوحة والهمز والقصر، وقرأ الزهري :«متّكا» مشدد التاء من غير همز - وهي قراءة أبي جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح، وقرأ الحسن «متكاء» بالمد على إشباع الحركة.
و«السكين» تذكر وتؤنث، قاله الكسائي والفراء، ولم يعرف الأصمعي إلا التذكير.
وقولها : اخْرُجْ أمر ليوسف، وأطاعها بحسب الملك، وقال مكي والمهدوي : قيل : إن في الآية تقديما وتأخيرا في القصص، وذلك أن قصة النسوة كانت قبل فضيحتها في القميص للسيد، وباشتهار الأمر للسيد انقطع ما بينها وبين يوسف.
قال القاضي أبو محمد : وهذا محتمل إلا أنه لا يلزم من ألفاظ الآية، بل يحتمل أن كانت قصة النساء بعد قصة القميص وذلك أن العزيز كان قليل الغيرة بل قومه أجمعين، ألا ترى أن الإنكار في وقت القميص إنما كان بأن قيل : إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف : ٢٨] وهذا يدل على قلة الغيرة، ثم سكن الأمر بأن قال : يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا [يوسف : ٢٩] وأنت اسْتَغْفِرِي [يوسف : ٢٩] وهي لم تبق حينئذ إلا على إنكارها وإظهار الصحة، فلذلك تغوفل عنها بعد ذلك، لأن دليل القميص لم يكن قاطعا وإنما كان أمارة ما هذا إن لم يكن المتكلم طفلا.
وقوله : أَكْبَرْنَهُ معناه : أعظمنه واستهولن جماله، هذا قول الجمهور، وقال عبد الصمد بن علي الهاشمي عن أبيه عن جده : معناه : حضن، وأنشد بعض الناس حجة لهذا التأويل :[البسيط]
يأتي النساء على أطهارهنّ ولا يأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف من معناه منكور، والبيت مصنوع مختلف - كذلك قال الطبري وغيره من المحققين، وليس عبد الصمد من رواة العلم رحمه اللّه.
وقوله : وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ أي كثرن الحز فيها بالسكاكين، وقال عكرمة :«الأيدي» هنا الأكمام، وقال مجاهد هي الجوارح، وقطعنها حتى ألقينها.
قال القاضي أبو محمد : فظاهر هذا أنه بانت الأيدي، وذلك ضعيف من معناه، وذلك أن قطع العظم لا يكون إلا بشدة، ومحال أن يسهو أحد عنها، والقطع على المفصل لا يتهيأ إلا بتلطف لا بد أن يقصد، والذي يشبه أنهن حملن على أيديهن الحمل الذي كن يحملنه قبل المتك فكان ذلك حزا، وهذا قول الجماعة.
وضوعفت الطاء في قَطَّعْنَ لكثرتهن وكثرة الحز فربما كان مرارا.
وقرأ أبو عمرو وحده «حاشى اللّه» وقرأ أبيّ وابن مسعود «حاشى اللّه»، وقرأ سائر السبعة «حاش للّه»، وفرقة «حشى للّه» وهي لغة، وقرأ الحسن «حاش للّه» بسكون الشين وهي ضعيفة وقرأ الحسن - أيضا - «حاش الإلاه» محذوفا من «حاشى». فأما «حاش» فهي حيث جرت حرف معناه الاستثناء، كذا قال سيبويه، وقد ينصب به، تقول : حاشى زيد وحاشى زيدا، قال المبرد : النصب أولى إذ قد صح أنها فعل بقولهم : حاش لزيد، والحرف لا يحذف منه.


الصفحة التالية
Icon