المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٤٣
استدلال ما، والعادة أنه لا يعبر بآية إلا فيما ظهوره في غاية الوضوح، وقد تقع الْآياتِ أيضا على المبينات كانت في أي حد اتفق من الوضوح.
ويحتمل أن يكون معنى قوله : مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ أي من بعد ما ظهر لهم من وجوه الأمر وقرائنه أن يوسف بريء، فلم يرد تعيين آية بل قرائن جميع القصة.
و«الحين» في كلام العرب وفي هذه الآية الوقت من الزمن غير محدود يقع للقليل والكثير، وذلك بين موارده في القرآن وقال عكرمة «الحين» - هنا - يراد به سبعة أعوام، وقيل : بل يراد بذلك سنة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا بحسب ما كشف الغيب في سجن يوسف.
وسمع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه رجلا يقرأ «عتى حين» بالعين - وهي لغة هذيل - فقال له : من أقرأك؟ قال : ابن مسعود، فكتب عمر إلى ابن مسعود : إن اللّه أنزل القرآن عربيا بلغة قريش، فبها أقرئ الناس، ولا تقرئهم بلغة هذيل، وروي عن ابن عباس أنه قال : عثر يوسف عليه السلام ثلاث عثرات :
هَمَّ [يوسف : ٢٤] فسجن، وقال : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف : ٤٢] فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [يوسف : ٤٢] فطول سجنه، وقال : إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ [يوسف : ٧٠] فروجع : إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف : ٧٧].
وقوله تعالى : وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ الآية، المعنى : فسجنوه فدخل معه السجن غلامان سجنا أيضا، وهذه «مع» تحتمل أن تكون باقتران وقت الدخول، وأن لا تكون بل دخلوا أفذاذا، وروي أنهما كانا للملك الأعظم - الوليد بن الريان - أحدهما : خبازه، والآخر : ساقيه.
و«الفتى» الشاب، وقد تقع اللفظة على المملوك وعلى الخادم الحر، ويحتمل أن يتصف هذان بجميع ذلك، واللفظة من ذوات الياء، وقولهم : الفتوة شاذ. وروي أن الملك اتهمهما بأن الخابز منهما أراد سمه، ووافقه على ذلك الساقي، فسجنهما، قاله السدي، فلما دخل يوسف السجن استمال الناس فيه بحسن حديثه وفضله ونبله، وكان يسلي حزينهم ويعود مريضهم ويسأل لفقيرهم ويندبهم إلى الخير، فأحبه الفتيان ولزماه، وأحبه صاحب السجن والقيم عليه، وقال له : كن في أي البيوت شئت فقال له يوسف : لا تحبني يرحمك اللّه، فلقد أدخلت علي المحبة مضرات : أحبتني عمتي فامتحنت لمحبتها، وأحبني أبي فامتحنت لمحبته لي، وأحبتني امرأة العزيز فامتحنت لمحبتها بما ترى، وكان يوسف عليه السلام قد قال لأهل السجن : إني أعبر الرؤيا وأجيد، فروي عن ابن مسعود أن الفتيين استعملا هاتين المنامتين ليجرباه وروى عم مجاهد أنهما رأيا ذلك حقيقة، فأرادا سؤاله، فقال أحدهما واسمه بنو، فيما روي، إني رأيت حبلة من كرم لها ثلاثة أغصان حسان، فيها عناقيد عنب حسان، فكنت أعصرها وأسقي الملك وقال الآخر، واسمه مجلث، كنت أرى أني أخرج من مطبخة الملك وعلى رأسي ثلاث سلال فيها خبز، والطير تأكل من أعلاه.
وقوله أَعْصِرُ خَمْراً قيل : إنه سمى العنب خمرا بالمئال، وقيل : هي لغة أزد عمان، يسمون العنب خمرا، وقال الأصمعي : حدثني المعتمر، قال : لقيت أعرابيا يحمل عنبا في وعاء، فقلت : ما تحمل؟ قال : خمرا، أراد العنب.